عرّت كميات الغيث النافع هذه المرة وبشكل «مفزع» هشاشة البنية التحتية. فبالتوازي مع السيناريو المألوف والمتمثل في تحول مختلف شوارع العاصمة كلما تهاطلت الأمطار -وفي ظرف عشر دقائق- إلى مسابح وبرك مائية، كانت الحصيلة هذه المرّة أكثر ثقلا و«استفزازا» بعد أن أدت كميات الأمطار الكبيرة المتهاطلة إلى سقوط جزء من فضاء السوق الحرة في مطار النفيضة الحمامات الدولي مما انجر عنه تعطل حركة الطيران وتسجيل خسائر مادية وانقطاع التيار الكهربائي عن جزء كبير من المطار وبالتوازي مع «واقعة المطار»، فقد جرفت مياه السيلان الناجمة عن الأمطار الغزيرة التي تهاطلت مساء أول أمس بعدد من معتمديات ولاية صفاقس، فتاة تبلغ من العمر 16 عاما في وادي أولاد أحمد (أحد أودية الحنشة). وضع مُزر وحصيلة كارثيّة زادت من حدّته تصريحات المسؤولين، ففي الوقت الذي اكتسحت فيه صور السيارات وشوارع العاصمة - وهي «عائمة» في برك مائية - مواقع التواصل الاجتماعي، يطل علينا وزير التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية محمد صالح العرفاوي ليؤكد في معرض تصريحه الإذاعي أن هطول الأمطار بتلك الكيفية لا يؤشر إلى القول بأن تونس الكبرى قد غرقت بالمياه، موضحا أن «أغلب ما حصل أثناء هطول الأمطار كان بسبب الأوساخ المتراكمة التي تسبب بها المواطن!!". كما لم يخف العرفاوي وجود عديد النقائص فيما يخص البنى التحتية مؤكدا في السياق ذاته انه يتم أيضا سنويا التدخل في 8 أو 10 مدن لحمايتها من الأمطار. صحيح أن الأوساخ قد تكون لها تداعياتها، وأن التونسي قد يتحمل جزءا من المسؤولية في هذا الجانب، لكن على عاتق من تُلقى مسؤولية تردي وتدهور البنية التحتية من سنة الى أخرى؟ ومن يتحمل وزر الإشكاليات المتسببة في تجمع المياه وتكاثرها؟ وغيرها من الأسئلة والإشكاليات التي لا نظنها خافية عن دواليب الوزارة. في هذا الخضم ونحن على أبواب موسم شتوي - بما يؤشر إلى ان السيناريو قد يتكرر وبأكثر فظاعة في قادم الأيام - لا يسعنا إلا ان نستذكر رائعة عبد الحليم حافظ «رسالة من تحت الماء» حيث تقول كلمات القصيدة التي كتبها نزار قباني: إني أتنفَّسُ تحتَ الماء.. إنّي أغرق.. أغرق أغرق.. هكذا يلوح حالنا في قادم الأيام: «نحن نغرق.. نحن نغرق». فقدرنا «أن نغرق» سنويا على الطرقات وفي مياه البالوعات وفي الأوحال دون أن نجد أيادي تنتشلنا...