الانطلاق العاجل والفوري في القيام بعدة إصلاحات ووضع برنامج إنعاش اقتصادي على المدى القصير والمتوسط وحتى البعيد من أجل تخطي الأزمة الاقتصادية هذا ما خلص إليه خبراء الاقتصاد الذين أثثوا أمس ملتقى نظمه المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية تحت عنوان "أي برنامج اقتصادي لإنقاذ تونس؟". حيث أكد ناجي جلول مدير المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية أن تونس تعاني اليوم من أزمة اقتصادية واجتماعية وأن هذه الأزمة استفحلت إلى درجة أنها باتت تهدد التوازن الاجتماعي وكل الموازنات الممكنة في البلاد. وشدد جلول أن الفشل الاقتصادي يعني بالضرورة فشلا سياسيا وهو ما حث المعهد على تركيز اهتمامه خلال 3 أشهر القادمة على تناول ودراسة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بكل جوانبها، مبينا أن الندوة قد ركزت على الإجراءات والحلول العاجلة من أجل الخروج من الأزمة كما أنه سينتظم في غضون أسبوعين منتدى ضخم سيركز على الإجراءات متوسطة المدى على أن يتم لاحقا تنظيم منتدى يهتم بالإصلاحات الكبرى مع الدفع نحو تنفيذها. إجراءات عاجلة وأشار المدير أن الوضع لم يعد يسمح بمزيد إهدار الوقت ما يحتم الانطلاق العاجل في اتخاذ عدد من الإجراءات التي من شأنها دعم الاقتصاد وإخراجه ولو جزئيا من الوضع المتردي الذي يعيش على وقعه. وواصل قائلا انه لابد من إطلاق حالة الطوارئ الاقتصادية عبر الانطلاق في القيام بعدة إصلاحات على غرار الانطلاق فورا في الإصلاح الجبائي وإيقاف التوريد العشوائي لكل ما هو كماليات مع العمل على تغيير العملة وأيضا بيع الوجهة السياحية التونسية بالعملة المحلية أي الدينار التونسي، مؤكدا أن كل هذه الإصلاحات ضرورية ولا تتطلب سوى تفعيل الإرادة السياسية، واعتبر مدير المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية أنه إذا ما تم تفعيل الإجراءات العاجلة فإنه بالإمكان إيقاف نزيف التدهور الاقتصادي في غضون 6 أشهر. أزمة اقتصادية عميقة تونس تعيش على وقع أزمة اقتصادية عميقة من أبرز ملامحها التضخم وعجز الميزانية وعجز الميزان التجاري وتضخم القطاع الموازي.. هذا ما أكده وزير المالية السابق جلول عياد الذي دعا إلى وجوب رسم رؤية اقتصادية واضحة المعالم تقوم على تثمين الاقتصاد الأخضر والتحول الرقمي الذي يجب أن يشمل كل القطاعات الاقتصادية مع تثمين التعليم من أجل خلق أجيال قادرة على مواصلة البناء، هذا إلى جانب إصلاح القطاع العام حتى يكون قطاعا منتجا وداعما للنمو مع مراجعة العدد الكبير من العاملين فيه لا سيما وان كتلة الأجور قد باتت عبئا كبيرا على ميزانية الدولة هذا بالإضافة إلى دعم القطاع الخاص بما يجعله قويا وذا قيمة مضافة عالية، مؤكدا في ذات السياق وجوب الانطلاق في إصلاح المنظومة المالية برمتها حتى تكون داعمة للاستثمار الذي يجب أن تتوفر له عديد الامتيازات من أجل جلب أكبر عدد ممكن من المستثمرين من تونس والخارج. وشدد عياد على جوب الانطلاق فورا في القيام بالإصلاحات اللازمة بعد التأخير الكبير الذي عرفته ما كلف الاقتصاد خسائر فادحة. تفعيل إصلاحات وثيقة قرطاج أما الخبير الاقتصادي سامي عواد فقد أكد أن اقتصادنا ورغم ما يعرفه من وضع صعب قادر على تحقيق قفزة ونقلة نوعية مؤكدا أن الحل يمكن في تفعيل عديد النقاط الواردة في وثيقة قرطاج والتي تعد في حد ذاتها برنامج إصلاح اقتصادي وهي تتمثل بالأساس في تركيز المجلس الوطني للحوار الاقتصادي والاجتماعي الذي من مهامه الاتفاق حول برنامج الإصلاح الاقتصادي، مراقبة مسالك التوزيع، تبسيط الإجراءات الجبائية، تفعيل اللجنة المحدثة لمحاربة التهرب الضريبي الذي بات حجمه ضخما ويفوق حتى ميزانية التنمية، إيقاف توريد الكماليات، اعتماد نظام الفورة، تحويل الدعم نحو مستحقيه، تشخيص استراتيجي مستقل لوضع المؤسسات العمومية وأيضا دعم الديوانة التونسية لوجستيا وبشريا للقيام بدورها على الوجه الأكمل مبينا أن جميعها إصلاحات عاجلة تضمنتها وثيقة قرطاج 2 لكنها تنتظر التفعيل. فشل سياسات الإنعاش الاقتصادي وفي ذات السياق أفاد الخبير الاقتصادي عبد الجليل البدوي أن الاقتصاد الوطني في طريقه للانهيار، وأشار انه رغم أن أسباب الانهيار واضحة إلا أن سياسات الإنعاش الاقتصادي المنتهجة أثبتت فشلها فكان نتاجها الانهيار السريع للموازنات المالية وكل المؤشرات الاقتصادية التي حتى وإن عرفت تزحزحا طفيفا إلا انه هش. وشدد البدوي على وجوب البحث في أسباب فشل سياسات الإنعاش الاقتصادي والتي تكمن بالأساس في عدم ارتكازها على مرجعيات تنموية على اعتبار أن منوال التنمية الحالي بات غير قادر على استيعاب المجهودات التنموية مؤكدا على وأن الوضعيات الاستثنائية تتطلب إجراءات استثنائية. وطالب الخبير الاقتصادي بضرورة التعجيل بوضع منوال تنموي جديد وسن قانون طوارئ اقتصادية يمكن من مصادرة أموال المتهربين من القيام بواجبهم الضريبي وكل الذين استثروا بطرق غير شرعية ومن القطاع الموازي مؤكدا على وجوب اجتماع كل الأطراف حول هذا البرنامج. كما طالب أيضا كحل لاستيعاب كل أموال المسالك الموازية بتغيير العملة ما سيضمن دخولها للمنظومة البنكية المنظمة، معتبرا أن كل هذه الإجراءات ستمكن من تركيز قواعد قوية لإنجاح الإنعاش الاقتصادي.