*تطبيق القانون واصلاح المنظومة التربوية والاشعار هي الحل للحد من الظاهرة تونس- الصباح أطفال يافعين يركبون قوارب"الموت" للوصول الى الضفة الأخرى من المتوسط.. للوصول الى السعادة المنتظرة حسب تقديرهم. مراهقون وأطفال"تغلغل" اليأس والاحباط في نفوسهم منذ نعومة أظافرهم بل وهم لا يعون حتى معناه فأصبحوا يتوقون الى الرحيل من بلدهم وغدت"الحرقة"حلما جميلا يراودهم يدفعون ثمنه دراستهم ومستقبلهم وعائلاتهم وأحيانا حياتهم المهم"الحرقان" كلفهم ذلك ما كلفهم فهم يتسللون الى المراكب التجارية بالموانئ ويندسون داخل دورات مياهها أو في احدى زواياها هدفهم ان لا يتم التفطن اليهم والوصول امنين الى مقاصدهم ولعل تزايد أعداد هؤلاء يعكس حجم الازمة التي تعيشها بلادنا على جميع المستويات والتي أثرت بشكل مباشر على أطفال مازال المستقبل طويلا جدا أمامهم ليصنعوا ذواتهم ولكنهم اختاروا ركوب المخاطر في رحلة نحو المجهول. ففي آخر احصائية أصدرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية خلال الاسبوع الجاري هناك 544 طفلا تونسيا تمكنوا من "الحرقان" والوصول الى السواحل الايطالية كما أكد المنتدى ان ظاهرة "حرقان" الاطفال في تزايد مستمر، وقد تم خلال شهر فيفري الفارط ايقاف 50 طفلا بميناء حلق الوادي تتراوح أعمارهم بين 13 و17 سنة من مختلف ولايات الجمهورية اعترفوا بأنهم كانوا يخططون لتسوّر الجدار الخارجي للميناء قصد التسلل الى احدى البواخر التجارية الراسية بالميناء بهدف"الحرقان" الى احدى الدول الاوروبية. عوامل بالجملة.. وفي هذا السياق ذكر ممدوح عز الدين الباحث في علم الاجتماع ل"الصباح" انه يمكن تفسير ارتفاع عدد الأطفال والمراهقين المنخرطين في ظاهرة "الحرقة" بالرجوع الى عوامل نفسية ذاتية مرتبطة بطبيعة مرحلة المراهقة وما يصاحبها من اضطرابات نفسية اضافة الى الاحساس بعدم الرضا عن الوضع المعيشي والبحث عن وضع حياة افضل بطريقة تتماشى مع فكرة الخلاص الفردي في غياب الخلاص الجماعي وينضاف الى العوامل النفسية الذاتية عوامل اجتماعية تتمثل أهمها في رفض عدد كبير من الأطفال والمراهقين الالتحاق بالمدارس حيث يقدر عددهم بمائة ألف سنويا دون ايجاد مؤسسات بديلة تحتضنهم وترعاهم وتكونهم وتعيد إدماجهم من جديد في الدورة الاجتماعية والاقتصادية إضافة الى تراجع سلطة الآباء على أبنائهم وارتفاع منسوب الاحساس بالحرية لديهم حيث يصل الى حد التسيب والانفلات والتحرر من كل الضوابط المؤسساتية والقيمية والقانونية وخضوع الاباء الى ابتزاز ابنائهم لهم مما يضطرهم لمساعدتهم بالجهد والمال خوفا من اقدامهم على الانتحار او الانخراط في ميدان الجريمة او الادمان على المخدرات كما نجد عائلات تعتبر ان مشروع الهجرة مشروعا عائليا فبعض الاولياء يبيعون جزءا من ممتلكاتهم او مصوغهم او يتخلون عن جزء من دخلهم لتمويل"حرقة " ابنائهم. الهوس.. وأكد ممدوح عز الدين وجود نوع من الثقافة الشبابية التي تشجع على "الحرقة" تسوّقها بعض أغاني"الراب" او الاقوال المتداولة من قبيل "كردونة في روما ولا قصر في الحومة" او"ياكلني الحوت وما ياكلنيش الدود"والاصرار على الهجرة والاعتقاد ان المجتمعات الغربية مجتمعات منفتحة قابلة لان تجعل الحلم ممكنا والمغامرة مضمونة النتائج والاعتقاد ايضا ان الاوضاع في تونس تسير نحو الاسوأ اوان الحلم اصبح غير ممكن وابواب الامل قد اغلقت وبالتالي فان الخلاص يكمن في"الحرقان" بالاضافة الى عنصر الرغبة والعائلة والمحيط وشبكات الهجرة غير النظامية واستقرار بعض الاطفال بايطاليا بعد نجاحهم في "الحرقان" كلها عوامل تدفع الاطفال نحو التفكير حتى الهوس ومن ثمة الانخراط دون الالتفات ولو للحظة الى المخاطر الممكنة. نوعية الاطفال"الحراقة".. ويمكن تصنيف الاطفال الذين حاولوا "الحرقان" الى ثلاثة اصناف اساسية وهم اطفال غالبا من فاقدي السند تم الفشل في التعهد بهم من طرف منظومة حماية الطفولة حيث سبق ان تم ايواؤهم بمراكز رعاية دون نتائج ايجابية ملموسة وهنا قد يؤدي فشل المنظومة الحمائية الى تدهور وضعية الطفل وقد تجعل منه طفل شوارع او"خارجا" عن القانون او مستعدا للقيام بأي شيء في سبيل تحقيق هدفه حتى وان عرض حياته للخطر اما الصنف الثاني فهم الأطفال الذين يعيشون وضعيات اجتماعية صعبة وينتمون للعائلات المعوزة ويكونون غالبا من المنقطعين عن الدراسة والعاجزين عن التمتع بتكوين مهني نتيجة انقطاعهم المبكر عن الدراسة وبالتالي فان الهجرة السرية تمثل حلما بالنسبة لهم حتى يمكنهم من بناء مستقبل فقدوا الأمل به في وطنهم اما الصنف الثالث فهم الاطفال الذين لا يواجهون اية مشاكل اجتماعية او فقر بل بالعكس ينتمون لعائلات ميسورة نسبيا او متوسطة لكن المؤثرات الخارجية جعلت من الهجرة غير الشرعية نوعا من المغامرة التي يتوقون لخوض غمارها بغية ابراز الذات امام الاقران وعموما فان دوافع الحرقة لدى الاطفال لا تختلف جوهريا عن الدوافع لدى الراشدين الا ان ما يميزها لدى الاطفال هو ان الطفل اكثر تأثرا بالعوامل الخارجية خاصة انتشار نوع من الثقافة الشبابية الفرعية مرتبطة بالمخدرات والرغبة في الهجرة وغير قادر على استيعاب خطورة المغامرة سواءا خلال الرحلة البحرية او بعد الوصول. الحلول.. وأضاف ممدوح عز الدين ان الحلول الكفيلة بالتصدي لهذه الظاهرة او على الاقل محاولة السيطرة عليها هي الصرامة في تطبيق القانون فالطفل الذي يعمد الى "الحرقان" يعتبر بمقتضى الفصل 20 من مجلة حماية الطفل مهددا حيث يقع تصنيفه (ه)باعتباره استغلالا للطفل في الاجرام المنظم نظرا لوجود شبكات تهريب دولية ومحلية او يمكن اعتباره ايضا ضمن الفقرة (ح) من الفصل المذكور باعتبار ان محاولة "الحرقان"سلوك محفوف بالمخاطر نتيجة عجز الابوين عن الاحاطة والتربية مما يتطلب تعهد مندوب حماية الطفولة بمحاولات"الحرقان" غالبا نتيجة اشعارات من مصادر امنية او نادرا من طرف اولياء يعلمون بوجود نية لدى ابنائهم في"الحرقة" ومن هنا تتأكد أهمية واجب الاشعار وتفعيله من طرف كل المحيطين بالطفل سواء عائلته او المؤسسة التربوية او اي جهة تتعامل مع الطفل وذلك لرصد اي نية للهجرة السرية واشعار مندوب حماية الطفولة حتى يتم التدخل وانقاذه قبل فوات الاوان وتتبع المسؤولين عن ذلك ومن ناحية اخرى يجب التركيز على الدوافع والاسباب المؤدية او المشجعة على هذه الظاهرة ولعل اهمها والى جانب الحلول الامنية ومزيد مراقبة الحدود اصلاح المنظومة التربوية التي تعتبر نقطة مفصلية في اي برنامج اصلاح وسد الثغرات بين النظام التربوي ونظام التكوين المهني وايجاد برامج تربوية للاطفال المنقطعين بصفة مبكرة جدا كما يجب ايضا توعية العائلة وتحميلها المسؤولية عن طريق ومضات تحسيسية قصد ابعاد افكار الهجرة السرية عن ابنائها عوض تشجيعهم بصفة مباشرة اوغير مباشرة ويبقى دور الدولة مهما في استئصال اسباب وعوامل التهميش التي من شأنها دفع عدد من الاطفال والشبان الى البحث عن افاق جديدة خارج حدود الوطن عبر تطوير منظومة التعليم وتطويع البرامج لمقتضيات سوق الشغل.