ماذا يخفي الإصرار الاسرائيلي على الترويج لنهاية مرحلة محمود عباس؟ ولماذا هذا التشفي في الكشف عن تدهور وضعه الصحي واقتراب موعد تقديم الرئيس الفلسطيني استقالته؟ الاكيد أن عين الاحتلال الاسرائيلي لا تتخلف عن رصد كل ما يحدث في فلسطينالمحتلة بما في ذلك ما يدور في محيط أبو مازن، والاكيد أيضا أن مجهر الاحتلال الموجه لكل بيت فلسطيني يحسب على عباس دقات قلبه وضغط دمه وربما يرصد حتى افكاره وما قد يحاول اخفاءه بداخله.. ورغم نفي الرئاسة الفلسطينية الامر فان سلطة الاحتلال تتمسك بما تروج له آلة الدعاية الإسرائيلية من تدهور في صحة الرجل.. ما يمكن التوقف عنده أن ما يروج بشأن الوضع الصحي للرئيس الفلسطيني سبقه تسريب بتفاصيل كلمة محمود عباس قبل أيام في انعقاد المجلس الثوري لحركة «فتح» في رام الله وما رافقه من اشارات بأنه كان أشبه بلقاء»وداع» للرئيس الفلسطيني الذي بدا على درجة من التشاؤم والانهيار بسبب الوضع الفلسطيني.. بل ان ما تم نقله عن الرئيس الفلسطيني تضمن اشارات بأنه كان هذه المرة على درجة من الصراحة في اعترافاته بأنه عجز عن التعامل مع حركة «حماس» في تحقيق المصالحة المطلوبة.. أبو مازن ربما يكون استشعر خطر تداعيات صفقة القرن إذا أصر ترامب على تنفيذها والتنازل بمقتضاها لصالح الحليف الاسرائيلي. بل ان كل المؤشرات تؤكد ذلك وتجعل عباس مقتنعا حتى وإن جاهر بعكس ذلك أن الدول والحكومات العربية لا يمكنها التصدي للمشروع الترامبي وأن أقصى ما يمكنها القيام به أن تبادر الى تغطية التمويلات التي قطعها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (اونروا). والارجح أن أبو مازن بلغ مرحلة بات يدرك معها أن اتفاق اوسلو الذي كان مهندسه يتجه للاندثار وأن عجلة التاريخ قد لا تمهله لتصحيح المسار وتجنب صفقة القرن التي لم تتضح حتى الآن تفاصيلها.. خلال خطابه امام مجلس الامن الدولي غادر أبو مازن القاعة للقيام بتشخيص صحي قيل في حينه أنه روتيني.. الا ان محاولات الطمأنة الرسمية لم تخف التعب الواضح على ملامح الرئيس الفلسطيني المثقل بالهموم.. خلال اجتماع المجلس الثوري نقل عن عباس قوله «قد تكون هذه آخر جلسة لي معكم وما حدا ضامن عمره.. ولن أنهي حياتي بخيانة».. أبو مازن ردد ايضا أنه لن يقبل بغير دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية قبل أن يخلص أنه لا أحد يموت من الجوع.. هل يخشى ابو مازن من تصفيته الاحتلال له جسديا؟ الواقع أن ما نشر عن لقاء الوداع يحتمل أكثر من قراءة وأكثر من سيناريو في زمن الانهيار العربي والفوضى الراهنة اقليميا ودوليا ... حتى الان يبدو أن الرئيس الفلسطيني حصل على رسائل طمأنة من القاهرة والرياض تؤكد رفض صفقة القرن بصيغتها الحالية التي تظل حتى الان مبهمة وغير معلومة بالنسبة للفلسطينيين كما بالنسبة للراي العام الدولي. والاكيد أن عنوان الصفقة الذي تعمد تنازل من لا يملك لمن لا يستحق ليجعل من صفقة القرن صفعة اضافية لما سبق من نكبات ونكسات لا يمكن أن يغري الا ساذجا أو غبيا أو خائنا بالبحث عن حل للقضية بين تفاصيلها.. ربما لم يفصح أبو مازن بكل المخاوف والهواجس التي يعيشها ولكن نكاد نجزم أن أكثر ما يشغله ليس حقد الاحتلال ومخططاته، ولكن خطر الانقسام الفلسطيني الذي فاقم الجرح وحول أهداف المعركة التي كان يفترض أن تكون ضد خطر الاحتلال وجرائم الاستيطان والتهويد والهدم الى معركة بين الاخوة الاعداء الذين وقعوا في فخ استنزاف وانكار والغاء بعضهم البعض... أبو مازن أكثر من يدرك أن الخطر الحقيقي في انهيار البيت الفلسطيني الذي يمنح الاحتلال الفرص تباعا لتعزيز مواقعه.. وأن التحدي الذي يتعين عليه اليوم ليس في استعادة الارض أو الحق المسلوب، فتلك معركة وجود طويلة لا يملك جيل أبو مازن الخروج منها وهي معركة ومسؤولية الاجيال القادمة التي ستتحمل الامانة.. معركة أبو مازن اليوم التي لا يمكنه الانسحاب منها قبل كسبها في استعادة وحدة الموقف الفلسطيني تحت مظلة مشتركة عنوانها القضية الفلسطينية ولا شيء غير ذلك.. معركة غير هينة ولكنها طوق النجاة المتبقي لمحمود عباس لتجاوز فخ أوسلو...