ظلّت تفاصيل أحداث الرشّ بسليانة ليوم 27 نوفمبر 2012 غامضة ومسكوتا عنها إلى يومنا هذا، فتحديد الجهة أو الطرف السياسي أو الأشخاص المسؤولين عن هذه الكارثة بالاسم والصفة تمّ التغاضي عنه ولم يصدر موقف رسمي من الحكومات المتعاقبة وجهت فيه أصابع الاتهام إلى طرف سياسي بعينه ومن ثمّة المحاسبة والاعتذار وردّ الاعتبار . وبالرغم من الاعتراف مؤخّرا بحدوث جريمة فإنّ منهج المماطلة وقلب الحقائق والتملّص من المسؤولية وكلّ المحاولات والمساعي إلى غلق الملف وطيّه في الرفوف، كانت كلّها عقبات وحجر عثرة أمام فكّ رموز الحادثة الأليمة والموجعة لأهالي الجهة والتونسيين ككلّ. فبفعل ضغط أهالي سليانة وضحايا الرشّ ومختلف مكونات المجتمع المدني على المستويين الجهوي والوطني وفي مقدمتهما الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد العام التونسي للشغل والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادي والاجتماعي، تم فتح تحقيق في الحادثة وإن اختتمت الأبحاث فإنها دون المأمول ودون ما كان متوقعا. ختم الأبحاث وقبل ختم الأبحاث توصّلت الأطراف المتفاوضة حول الملف لضمان حقوق الضحايا الاقتصادية والاجتماعية بعد ثلاث سنوات من الحادثة إلى اتفاق أمضي بتاريخ 19 نوفمبر 2015 حول ضحايا الرش جاء فيه ضرورة استئناف صرف المساعدة الظرفية وقدرها 200 دينار إلى مستحقيها وعددهم 9 أشخاص بمفعول مالي رجعي بداية من شهر أوت 2016. كما دعا الاتفاق إلى العمل على تشغيل القائمة المتفق عليها وعددهم 12 بالمؤسسات العمومية بالجهة في أجل أقصاه 15 جانفي 2017، إلى جانب مواصلة الإحاطة الصحية والاجتماعية بجرحى الرش بالجهة، إضافة إلى مطالب أخرى ذات الصلة بالوضع الهشّ لجهة سليانة. ماذا تحٌقق في هذا الاتفاق وهل ضُمّدت جراح الضحايا وهل استرجعت الحقوق؟ لا يبدو الأمر كذلك فحتى وإن تمّ تشغيل 12 جريحا بعدد من المؤسسات العمومية جراء الأحداث الدامية فإنّ الكارثة تُعدّ أعمق في نفوس الضحايا فمن سيُعوّض كلا من وجدي بدر الدين وفلاح المنصوري خسارة مستقبلهما الدراسي. كلاهما اضطر إلى مغادرة مقاعد الدراسة بسبب الجروح والإصابات العميقة على مستوى العينين ، حسرة بقلبي هذين الشابين تحاول كل الأطراف مداواتهما وتعويضهما بأن يُوفّروا لهما موطني شغل بإحدى المرافق العمومية وفق ما صرّح به الكاتب العام الجهوي للاتحاد العام التونسي للشغل بسليانة أحمد الشافعي ل»الصباح الأسبوعي». وقد أكّد الشافعي أنّه مهما كانت التعويضات والحلول لا يمكن أن تُغطي حجم تبعات الإصابات بالرشّ على الصحة وعلى النفسية والتي قد تزداد بمرور السنوات، يبقى أنّه من المهمّ القول أنّه منذ انطلاق المفاوضات تمّ تشغيل 12 شخصا بالمندوبية الجهوية للتربية، إلى جانب مساعدة ثلاث ضحايا للانتصاب للحساب الخاص بالتنسيق مع البنك التونسي للتضامن. متابعة لصيقة لملف الضحايا وبالنسبة إلى صرف المنح الظرفية فإنه متواصل ولكن بشكل غير متواتر، وفق قول الشافعي، فمنذ شهر أوت لم يتمّ صرف المنح لأصحابها. يبقى أنّه نتيجة الروتين الإداري هناك بعض الملفات معطّلة ولكن في نفس الوقت التنسيق متواصل بشكل يومي مع كلّ الأطراف لمتابعة الملفات الاجتماعية والصحية لذوي الإصابات البليغة والبالغ عددهم 33 شخصا. في سياق متّصل أوضح الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بسليانة بالقول «هذه الحالات تمّ دراسة ملفاتها الصحية والاجتماعية من قبل لجان جمعت العديد من الأطراف وكما تمّت إحالة الملف على القضاء العسكري تمّت إحالته أيضا على المحكمة الإدارية للنظر في حجم التعويضات». من جهة أخرى قرّرت هيئة الحقيقة والكرامة تنظيم جلسة استماع لضحايا أحداث الرشّ نهاية شهر نوفمبر الجاري وقد حدد آخر يوم الجمعة من الشهر الحالي موعدا للبثّ، حيث أكّد عادل المعيزي عضو الهيئة في تصريح ل «الصباح الأسبوعي» أنه لم يُحدد المجلس بعد الموعد النهائي لتاريخ الجلسة. وكانت هيئة الحقيقة والكرامة قد أكدت تمسكها بحقها في برمجة جلسات استماع علنية حول كل الانتهاكات المنصوص عليها في قانون العدالة الانتقالية والفترات الزمنية التي تغطيها أعمالها، خاصة وقد سبق أن عقدت الهيئة جلسات علنية لمواضيع تتضمن ملفات مازالت منشورة لدى القضاء وجاء هذا الردّ على خلفية انتقاد وكالة الدولة العامة لإدارة القضاء العسكري اعتزام الهيئة بث جلسات علنية حول تلك الأحداث واعتبرت أن في الأمر خرقا لمبدإ سرية التحقيق ومساسا بحقوق الأطراف.