حذّر الخبير الاقتصادي محمد شوقي عبيد (شغل خطة مستشار اقتصادي لرئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي) من جانفي 2018 أسخن من أحداث جانفي 1978 أو أحداث جانفي 1984 في صورة تمسك الحكومة بمشروع قانون المالية للسنة المقبلة في نسختها الحالية، والإصرار على إثقال كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة بترسانة جديدة من المعاليم والأداءات الضريبية.. واقترح عبيد في رسالة مفتوحة وجهها إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد مؤرخة في 30 سبتمبر 2017، تحصلت "الصباح" على نسخة منها، مراجعة جذرية للنسخة الأولى من مشروع قانون المالية المقترح وتطبيق ترسانة الإصلاحات والقوانين المصادق عليها سابقا لتحسين الاستخلاص الضريبي ومحاصرة المتهربين ضريبيا وتنويع الموارد الذاتية للدولة.. منتقدا في نفس الوقت المصادقة على قانون المصالحة الاقتصادية الذي يتعارض مع خطة الحكومة لمحاربة الفساد.. ولاحظ أن الديون الضريبية والديوانية غير المستخلصة لم تكن محل اهتمام لاسترجاعها لا بطريقة ودية ولا عن طريق القضاء، مشيرا إلى أن مخطط الإصلاح الضريبي الذي تمت المصادقة عليه سنة 2014 غير مفعّل رغم أنه يحتوي على إجراءات قضائية تهدف إلى توسيع قاعدة المطالبين بالأداء وتحقيق العدالة الجبائية. وبين عبيد، كيف أن بعض القطاعات المهنية التي كانت معنية بأحكام قانون المالية لسنة 2016 (أطباء، محامين..) والمتعلقة بالتصريح الجبائي الإجباري لم يتم تطبيقها منذ جانفي 2016 ما زاد في تراجع المحاصيل الجبائية للدولة، كما لم يتم تعميم آلية الفوترة المطبقة على المقاهي والمطاعم ما ساهم في خسارة موارد جبائية كبيرة خلال 2016 و2017، ولم يتم أيضا تفعيل مشروع رقمنة الفواتير المتعلقة بالصفقات العمومية أو تلك المتعلقة بالتجارة الخارجية ولم يتم تجسيمها منذ شهر جانفي 2017، رغم أنها يمكن أن تنهي ممارسات التحيل الضريبي والغش والفساد أثناء المعاملات الديوانية أو أثناء الكشف عن قيمة الصفقات العمومية.. حسب تقديره. ولاحظ المستشار السابق وجود ظواهر أخرى خطيرة تهم التهرب الضريبي مثل الأساتذة الذين يمارسون دروسا خصوصية بمقابل يتجاوز بكثير أجورهم الشهرية لكنهم لا يدفعون شيئا للجباية، أو تواصل حرمان الدولة من معاليم جبائية من خلال تسجيل عقود نقل الملكية أو تسجيلها باعتبار عدم إجبار المستثمرين في قطاع البناء والعقارات بتسجيل العقود العقارية في الإبان لدى القباضة المالية.. كما انتقد عدم تفكيك شبكات الاقتصاد الموازي رغم أن بارونات سوق التهريب معروفون بالاسم، وتسامح الإدارة في ما يهم المالية العمومية تجاه جرائم الاحتيال الاقتصادي والتهرب الضريبي دون أن يتم اتخاذ عقوبات صارمة ضد المخالفين.. وقال عبيد، أنه على المستوى المتوسط لم يتم وضع أو اعتماد أية خطة إستراتيجية منذ تسمية وزير المالية الحالي السيد رضا شلغوم في خطة مستشار اقتصادي لرئاسة الجمهورية، بهدف تحسين مردودية استرجاع الديون الضريبية غير المستخلصة ودعم مردودية المحاصيل الجبائية وتنويع الموارد الضريبية.. وقال :»رغم أني أعارض سياسة تخصيص المؤسسات التي تمر بصعوبات مالية قبل تحديد الأسباب ومعاقبة المسؤولين، إلا أني أدعم فكرة توفير لزمات لجمع المحاصيل الضريبية لوكالات مختصة في المجال قادرة على تحسين جودة الاسترجاع وتنويع المصادر الضريبية عبر انتداب موارد بشرية مختصة (جامع ضرائب، مراقب جبائي، محقق جبائي،..) ووضع نظام معلوماتي ناجع، ومتابعة المحاصيل الجبائية، وحسن إدارة الاسترداد الضريبي، ووضع جهاز إنذار.. واقترح في نفس السياق تركيز كاميرات مراقبة في المناطق الحساسة لرصد كل إخلال أو تجاوز (فضاءات عمومية، موانئ، مطارات، مؤسسات عمومية..)، وتركيز رادارات آلية في المدن والطرقات لرصد المخالفات المرورية.. وإعادة هيكلة وتكوين الإدارة وتركيز نظام قياس لمؤشر الإنتاجية يتم من خلاله تشجيع الكفاءات ومعاقبة المتقاعسين.. وأشار كاتب الرسالة إلى موارد جبائية أخرى يمكن التفكير فيها مثل المواد المتأتية من قوانين تحمي البيئة، وتعويض الأضرار على الملك العام ( مثلا سيارة حطمت عمود إنارة في حادث مرور صحاب السيارة مجبر على تعويض الخسائر التي تسبب فيها لعمود الإنارة ويمكن رصده وتتبعه قانونيا عبر كاميرات المراقبة أو عبر شهادات الأجوار أو الشهود على عين المكان..) وأنهى رسالته بدعوته إلى مراجعة المشروع الأولي لقانون المالية بصفة جذرية وتطبيق الأحكام الضريبية الجاري بها العمل وآليات الإصلاح الضريبي المعتمدة.. دون ذلك سيخسر رئيس الحكومة دون شك رصيد الثقة السياسي الذي يتمتع به.. كما حذر من جانفي 2018 ساخن اعنف وأقوى من جانفي 1978 أو جانفي 1984 إذا تمسكت الحكومة بالترفيع في المعاليم والأداءات الضريبية خلال السنة المقبلة دون إلغاء التمييز الجبائي عبر التطبيق الشامل والعادل للقوانين والأحكام الضريبية، ومعاقبة المتحيلين والمتهربين ضريبيا.. حسب تعبيره..