افتتح مساء أول أمس الأربعاء المعرض الخاص بالفنان التشكيلي الإسباني (كاتالوني تحديدا) "سالفادور دالي" وذلك بمتحف الأمم بصلامبو. وقد حضرت شخصيات من عالم الثقافة والديبلوماسية من بينها على سبيل الذكر سفيرا فرنسا وبريطانيا بتونس حفل افتتاح المعرض الذي جاء ببادرة من الناقد مصطفى شلبي الذي أقام منذ فترة مشروعه متحف الأمم بدعم من صديقه محمد لحيو الذي لم يتردد في وضع قاعات من إقامته بضاحية قرطاج صلامبو على ذمة الفنانين التشكيليين من مختلف أنحاء العالم. ولعلنا نشير إلى أن زائر معرض "دالي في تونس" يمكنه أن يطلع على تجارب إبداعية أخرى لأن المتحف يضم لوحات وأعمالا فنية لفنانين تشكيليين كبار من تونس ومن الخارج من بينهم أسماء لها شهرة عالمية. جدير بالذكر أن "جون كريستوف أرجيلي" وهو نجل"بيار أرجيلي" المختص في نشر أعمال دالي ساهم بقسط وافر في توفير هذه الفرصة للجمهور التونسي للتعرف عن قرب عن جانب كبير ومهم من تجربة فنان تشكيلي من طراز عالمي. ويعتبر هذا الحدث غير مسبوق لأنه لأول مرة يوضع كم من أعمال إبداعية من محفورات ورسومات وصور لفنان تشكيلي من طينة دالي وهو أحد في مشاهير الفنانين التشكيليين في القرن العشرين وقد ترك بصماته من ساحة الفن التشكيلي كرسام ونحات بالخصوص وكان له تأثيره في تطور حركة الفن التشكيلي في العالم على ذمة الجمهور التونسي. وهي ليست فقط مناسبة كي يطلع زوار المعرض على جانب هام من تجربة هذا الفنان الذي يعتبر أحد أبرز وجوه السريالية في العالم بل لعلها تكون حافزا لمن كان لا يعرف دالي جيدا للسعي للتعرف على شخصية فريدة من نوعها شغلت العالم بفنها وبسلوكها كذلك... فشخصية دالي هي شخصية متمردة تنزع نحو التحرر من القيود ولا تحفل كثيرا بالمسلمات. كما أن تجربته الفنية تعكس وفق النقاد الذين واكبوا هذه التجربة ذلك التمزق بين عدة متناقضات. فدالي مثلا كان ممزقا بين الإيمان والإلحاد ففكرة صلب المسيح مثلا تكاد تخترق عالمه التشكيلي بالكامل دون أن يمنعه ذلك من أن يشهر تحديه لله أو للخالق. دالي كانت تسكنه فكرة الوجود والعدم وكانت فكرة الموت فكرة مؤرقة بالنسبة له ودفعته إلى محاربتها بأشكال عديدة. حاربها بالسريالية مثلا، تلك التي تتيح للفنان أن يغير قدر الأشياء أو أن يضيف عالمه المتخيل إلى العالم الذاتي أو إلى الصورة الأصلية للكائنات والأشياء... إنها السريالية التي تتيح للفنان إمكانية التحرر ودالي كان مسكونا بالرغبة في الحرية إلى درجة أنه كان لا يمانع في أن يجعل من ذاته اي من الانا موضوع سخرية قبل أن يسخر من الآخرين... وقد وفّر مصطفى شلبي الذي عرفناه مناضلا حقيقيا من أجل تقريب المسافات بين فناني ضفتي المتوسط فرصة نادرة لعشاق الفن التشكيلي لزيارة معرض قيّم يتكون من لوحات وأعمال فنية من محفورات ورسومات تعالج كل الأفكار والمتناقضات التي يمكن أن تمر برأس الإنسان عبر العصور على غرار الحب والحياة والموت والجمال والقبح والخلود والزوال دون أن ننسى فكرة الإله والخالق. فهناك شبه إجماع لدى النقاد على أنه لا يمكن أن نفصل بين شخصية دالي وعالمه الإبداعي. فشخصية دالي الثائرة وغير المؤمنة بوجود محرمات والتي تتوق إلى كسر كل القواعد وعدم التقيد ب"الأخلاقويات" من العناصر التي ساعدت على تشكيل عالم دالي الإبداعي وهو عالم واسع الأرجاء مكّن الرجل من أن يكون شاهدا على العصر (القرن العشرين) بكل ما حمله من حقائق وأساطير وبكل تناقضاته. ولا شك أن هذا المعرض المتواصل بصلامبو بالضاحية الشمالية للعاصمة هو هدية ثمينة للتونسيين الذين تستهويهم الاكتشافات الثقافية وتثيرهم الشخصيات الفنية المركبة وتفتنهم التجارب الاستثنائية إلى حد الجنون على طريقة دالي.. وهي هدية قدمها الناقد الفني مصطفى شلبي - الذي للتذكير يعيش بين تونسوفرنسا- وهو يكون بذلك وفيا للنهج الذي اختاره منذ عقود والذي جعل منه رحالة بين ضفتي المتوسط بحثا عن الخيوط التي يمكن أن تربط بين شعوب الضفتين.. فهو لا يكاد ينتهي من مبادرة حتى ينخرط في مبادرة أخرى أصعب من السابقة رغم أن طريقه ليست دائما مفروشة بالورود. فمعرض "دالي في تونس" استغرق منه أشهر من الإعداد وعملا شاقا عسى أن يزور اكبر عدد ممكن من التونسيين هذا المعرض والإطلاع عن قرب عن تجربة إبداعية فريدة من نوعها يأتم معنى الكلمة. جدير بالذكر أن سلفادور دالي من مواليد 1904 وقد توفي سنة 1984 بعد رحلة حياتية وفنية استثنائية تخللتها تجارب فنية وتأثر بعدة مدارس فنية ورحلات بين اسبانياوفرنسا والولايات المتحدة بالخصوص وأفرزت رصيدا هائلا من الأعمال الفنية التي وإن لم تكن محل توافق بين النقاد فإنها مكنت صاحبها من أن يحتل مكانة بارزة في مدونة الفنانين التشكيليين في العالم...