أبرزت مذكرة تحليلية حديثة لمؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" المتخصصة في التحاليل الاقتصادية والمالية أن الحرب في أوكرانيا ستزيد من الضغط المتفاقم على التضخم في الاتحاد الأوروبي حيث سيكون التأثير الاهم من خلال ارتفاع أسعار الغاز والنفط، باعتبار انه من المرجح ان يكون تطورها اعلى ولفترة أطول. وكان، حسب المذكرة، جزء كبير من الارتفاع في التضخم مدفوعاً بأسعار الطاقة، التي كانت أعلى بنسبة 31.7 بالمائة في شهر مارس 2022 مقارنة بالعام السابق، بعد أن كانت أعلى بنسبة 28 بالمائة خلال شهر جانفي الماضي. وشكلت هذه الزيادة أيضاً أسرع زيادة سنوية منذ عام 1997. في جانب اخر، تكشف مصادر مالية دولية أنه أثناء إعدادهم لخططهم لعام 2022، كان صانعو السياسة في البنك المركزي الأوروبي يعتمدون على انخفاض أسعار الطاقة – مع تراجع الطلب على وقود التدفئة في فصل الشتاء في نهاية شهر مارس الفارط – للمساعدة في عكس الارتفاع في معدل التضخم في منطقة الاورو وتحقيق العودة إلى الهدف البالغ 2 بالمائة نهاية هذا العام. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا، غير كل المعطيات اذ بلغ التضخم في منطقة الاورو مستوى قياسياً في مارس المنقضي 7.5 بالمائة بحساب الانزلاق السنوي، غداة الزيادة الكبرى لأسعار الطاقة والمواد الغذائية. وفي ظل هذه الوضعية الدقيقة ركزت حكومات المنطقة، مساعيها في الفترة الأخيرة، على تحديد مستويات قصوى لأسعار الطاقة واتخاذ إجراءات تهم الموازنات العامة. ووفق تقارير بحثية عديدة، فانه إذا كانت هذه الدوامة تشكّل أزمة اجتماعية في أوروبا، فهي تمثّل أيضاً معضلة بالنسبة إلى البنك المركزي الأوروبي، الذي يسهر على استقرار الأسعار. غير أن السياسات الشديدة الصرامة قد تقوّض النمو الذي بالكاد انتعش من تداعيات الجائحة. وتؤدي الحرب على أوكرانيا التي بدأتها روسيا في 24 فيفري الماضي إلى تفاقم التضخم والحد من النمو في الوقت ذاته، حسب تأكيد أخير لكريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي. في المقابل، أعلن المعهد الوطني للإحصاء يوم أمس الأربعاء 6 افريل في مذكرة حول تطور مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي، تواصل ارتفاع نسبة التضخم نهاية مارس لتصل الى مستوى 7.2 بالمائة أي اقل من نسبة التضخم في أوروبا بعد ان كانت في حدود 7 بالمائة خلال الشهر السابق و6.7 بالمائة خلال شهر جانفي 2022. ويعود هذا التطور حسب المعهد بالأساس إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار مجموعة المشروبات الكحولية والتبغ (من 19,4 بالمائة الى 21 بالمائة) وأسعار الملابس والأحذية (من 8,9 الى 9,8 بالمائة) وأسعار الأثاث والتجهيزات والخدمات المنزلية (من 5,7 الى 6,1 بالمائة). وباحتساب الانزلاق السنوي ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 8,7 بالمائة. ويعود ذلك بالخصوص الى ارتفاع أسعار البيض وزيت الزيتون بنسبة والغلال الطازجة بنسبة 18,9والدواجن بنسبةكما ارتفعت أسعار الأحبان ومشتقات الحليب ولأسماك الطازجة ومشتقات الحبوب. كما سجل التضخم الضمني لشهر مارس2022 أي التضخم دون احتساب الطاقة والتغذية نسبة 6,8 بالمائة بعد ان كان في حدود 6,6 بالمائة خلال شهر فيفري 2022. وشهدت أسعار المواد الحرة ارتفاعا بنسبة 7,4 بالمائة مقابل 6,6 بالمائة بالنسبة للمواد المؤطرة، مع العلم أن نسبة الانزلاق السنوي للمواد الغذائية الحرة بلغت 9,7 بالمائة مقابل 3,6 بالمائة بالنسبة للمواد الغذائية المؤطرة. وتبرز هذه الأرقام وضعيتين تخص الأولى بشكل مؤكد تراجع القدرة الاستهلاكية للتونسيين والثانية انعدام دقة معطيات المعهد الوطني للإحصاء وعدم موضوعيتها. هذا وكان المعهد العربي لرؤساء المؤسسات قد أكد في احدى دراساته أن مؤشر أسعار الاستهلاك بتونس – الذي يفصح عنه شهريا المعهد الوطني للإحصاء – لا يعكس واقع التضخم المحسوس فعليا من قبل الأفراد والأسر التونسية نظرا لعدم احتساب مؤشر الاستقطاب اي الفوارق في المداخيل بين مختلف الشرائح الاجتماعية والتباينات الجهوية الحادة التي تشهدها البلاد منذ عقود. وتبسيطا للأمر فانه من غير المنطقي أن يكون تأثير ازدياد الأسعار في بعض المواد متماثلا بين من يزيد دخله الشهري على 2000 دينار ومواطن لا تتجاوز أجرته 800 دينار. وفي نفس السياق فان انعكاس تأثير الترفيع على المقدرة الشرائية في سعر مادة معينة كعلبة طماطم ليس له نفس الحدة بين متساكني جهة داخلية فقيرة والقاطنين بالضواحي الراقية للمدن الكبرى في البلاد. وتبعا لذلك فقد أوصى المعهد بضرورة تغيير منهجية حساب نسبة التضخم -التي يصرح حاليا بأنها في حدود 7.2 بالمائة – من خلال إعادة صياغة التأثيرات الطبقية والجهوية باعتبار انه قد قيم النسبة الفعلية المحسوسة لازدياد الأسعار بأكثر من 10 بالمائة وهي نسبة يصطلح على تسميتها بالزاحفة أو المتصاعدة حسب المعايير الدولية المعمول بها في هذا المجال. من جهة أخرى أفادت ذات المؤسسة انه من غير الوجيه منهجيا مواصلة السلط التونسية تقدير الزيادة في الأسعار وفق منهجية تعود إلى ثلاث عقود خلت دون الأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي طرأت على النمط الاستهلاكي للمواطن التونسي من حيث المواد التي دخلت في العادات الاستهلاكية التونسية والتي اصبحت مواد أساسية. ومن المفارقات أن المعهد الوطني للإحصاء لا يزال يركز تقديراته على نفس عدد نقاط البيع التي يرتادها المستهلكون (3641 نقطة بيع) دون إدخال أي تحيين في هذا الصدد علما وانه لا يتم احتساب الأسواق الأسبوعية والمساحات الكبرى رغم انتشارها بكافة أنحاء البلاد كنقاط بيع واستهلاك. عموما يبدو أن سنة 2022 وبالتأكيد ما تليها من سنوات ستكون سنة دقيقة واستثنائية على صعيد النمط الإنتاجي والاستهلاكي بامتياز تبعا للتأثيرات المنتظرة مؤكدا على منظومة الادخار والتمويل بحكم احتمال انحسار الطلب والإقبال عموما على الإنفاق الشرائي والاستهلاكي لضعف الإمكانيات المالية في سياق هوامش مناورة منعدمة تقريبا للسلط التجارية في أسواق التموين والأسعار وتواصل وجود سلع أجنبية عديدة في تونس رغم تقنين الامر من قبل البنك المركزي التونسي مؤخرا علاوة على استيراد التضخم نتيجة امكانية مزيد تراجع سعر الدينار.