التقت "الوطن" السيد محمد القوماني عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وحاورته حول قرار رفع الحصار عن المقر المركزي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.. وأثار ذلك على تسوية ملف هذه الجمعية. وفي ما يلي نص الحوار: 1. أعلن مؤخرا عن رفع الحصار عن المقر المركزي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان . هل يمكن القول إن الخطوة الأولى في اتجاه حل ملف هذه المنظمة قد انطلقت ؟ في البدء أشكر صحيفة الوطن على إتاحة الفرصة وأتمنى لها مزيد التألق في أداء دورها الإعلامي بعد التطور الملاحظ خلال الفترة الأخيرة. أما بخصوص سؤالك الأول فأقول بأن اللقاء الأخير الذي تم بين السيد منصر الرويسي والأستاذ مختار الطريفي يوم 24 ديسمبر 2007 والذي تم خلاله إبلاغ رئيس الرابطة بإمكانية استغلال المقر المركزي للقيام بالأنشطة الضرورية للتشاور مع الرابطيين والبحث عن حل توافقي يمهد لإنجاز المؤتمر الوطني في أسرع وقت، يعد خطوة إيجابية على طريق حل مشكل هذه الجمعية الذي طال وصارت له تداعيات سلبية على مختلف الأطراف . وأنا شخصيا متفائل دون أن أجزم بأن الحل صار جاهزا . 2. ثمنت الهيئة المديرة للرابطة في بيانها الصادر بتاريخ 28 ديسمبر قرار رفع الحصار عن المقر المركزي لكنها في الوقت ذاته تمسكت بمطلب رفع الحصار عن مقرات كافة الفروع. بعض المهتمين بالشأن الحقوقي قالوا إن هذا "التمسك" الهدف منه التقليل من أهمية قرار رفع الحصار عن المقر المركزي، وربما يكون في المستقبل أحد أسباب عرقلة تسوية ملف الرابطة. إلى أي مدى يصح هذا القول ؟ قرار رفع الحصار عن المقر المركزي تم تثمينه في بيان رسمي باسم الهيئة المديرة لأنه يتيح إمكانية حقيقية لالتقاء الرابطيين والتباحث في الصيغ الممكنة للحل ، وهو ما لم يكن متوفرا في المرحلة السابقة. لذلك يعتبر القرار مبادرة حسن نية و تعبيرا عمليا عن بدء الخطوات على طريق الحل . و قد بدأت الهيئة المديرة بالتفاعل الإيجابي مع هذا القرار وبرمجت لقاءات مع فروع العاصمة والجهات القريبة مثل بنزرت وماطر وباجة، كما عينت موعدا ليوم دراسي تبحث فيه موعد المجلس الوطني ومضمونه وتراتيب عقده . غير أن التشاور مع الفروع البعيدة عن العاصمة لا تخفى صعوباته خاصة إذا استحضرنا إمكانية تكثيف المشاورات وعدم توفر مكان للاجتماع بالمنخرطين في جهاتهم و تأثير صعوبات التنقل أو استحالتها بالنسبة للبعض على مجريات المشاورات. ومن هذا المنطلق أفهم تشديد الهيئة المديرة على مطلب رفع الحصار عن مقرات الفروع. ولا أعد هذا شرطا لأية خطوات لاحقة ولا عرقلة للتسوية المحتملة . 3. هل انطلقت الاتصالات بين الهيئة المديرة والمنخرطين المختلفين معها، أقصد مجموعة "المبادرة الرابطية" والمجموعة التي رفعت قضايا عديدة ضد الهيئة المديرة ؟ لم تنطلق بعد هذه الاتصالات، لكنها غير مرفوضة من طرف الهيئة المديرة. علما أن المهم ليس تنظيم لقاءات للحوار بل مضمون هذا الحوار والصيغ المقترحة للحل. والحوار الرابطي في كل الأحوال يشمل الجميع سواء من المتفقين مع الهيئة المديرة أو من المختلفين معها . 4. جاء في بيان 28 ديسمبر أنه تقرر عقد المجلس الوطني للرابطة في أجل قريب، بعد الإعداد الجيد له. ما المقصود بالإعداد الجيد؟ وهل سيتم التنسيق في هذا الصدد مع المجموعات التي سبق ذكرها؟ المجلس الوطني كما هو معلوم هيئة استشارية تضم أعضاء الهيئة المديرة ورؤساء الفروع أو من ينوبهم حسب ما يضبطه القانون الأساسي . وكل من له هذه الصفة لا يملك أحد أن يمنعه من حضور أشغال المجلس. وحسب ما جرى به العمل يمكن للهيئة المديرة أن تقترح توسيع الحضور لرابطيين آخرين تكون لهم صفة الملاحظ ويشاركون في النقاش دون أن يكون لهم حق التصويت على القرارات. وهذه الصيغة المرنة قد تساعد على الحل حسب الظروف وجدول الأعمال. ويشمل الإعداد الجيد للمجلس الوطني المشار إليه عقد لقاءات تمهيدية ووضع تراتيب تساعد على تحقيق الهدف من عقد هذا المجلس. وربما يكون من شروط الإعداد الجيد عقد المجلس في فضاء عمومي يتيح ظروفا أفضل للحوار الذي قد يمتد لأكثر من يوم . 5. الأستاذ مختار الطريفي قال في تصريحات صحفية نشرت قبل أيام إن أطرافا داخل السلطة تعمل على عرقلة تسوية ملف الرابطة. من وجهة نظركم من هذه الأطراف والحال أن الموقف الرسمي المعلن يشير حسب بعض المراقبين إلى عكس ذلك؟ لم أطلع شخصيا على التصريحات التي أشرتم إليها. وأعتقد أن البناء على المواقف المعلنة والتفاعل معها بايجابية يساعد على حل المشكل. وبقدر توفر أجواء مشجعة وتعزيز الثقة بين الأطراف واستبعاد التشنج وتطوير صيغ التخاطب، يكون التقدم باتجاه التسوية التي تمكن من عقد المؤتمر الوطني وتحافظ على استقلالية الرابطة و تعزز أداءها لمهامها. دون أن تكون تلك التسوية مثالية بالضرورة. 6. بعض المهتمين بشأن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان يشيرون إلى وجود تيارين داخل الهيئة المديرة الحالية "تيار معتدل" و آخر "غير معتدل"... هل هذا التقويم سليم ؟ تصنيف المواقف أو الأشخاص إلى "معتدل" و"غير معتدل" هو تصنيف نمطي وغير موضوعي ويغفل عناصر عديدة متحركة منها السياق و الموضوع وأفضل شخصيا عدم استعمال هذا التصنيف في قضية الحال دون أن أغفل العناصر الإضافية التي يمكن أن تؤثر في مواقف الأشخاص . وإني أعول على نضج جميع أعضاء الهيئة المديرة و تقديرهم للظرف و حرصهم على مصلحة الرابطة و خاصة عملهم بمبدأ التوافق الذي ضمن إلى حد الآن مواقف موحدة للرابطة في جميع القضايا و كل الظروف. 7. خلال شهر جويلية الفارط كتبت مقالا جاء فيه :"إن إشاعة أجواء من التفاؤل دون أوهام وتنشيط الحوار الداخلي مع جميع الرابطيين دون استثناء والتقدم بمقترحات عملية للحل بعيدا عن العنتريات و المزايدات و تكلس الأفكار والمواقف، عناصر من شأنها أن تقرب الرابطيين من هدفهم في إخراج جمعيتهم من الأزمة ..." هذا المقال اعتبره البعض إشارة قوية إلى تباين وجهات النظر داخل الهيئة المديرة وربما وجود "تيار المعتدلين" و "غير المعتدلين". لا أرى مشكلا في تباين وجهات النظر داخل الهيئة المديرة، فالمسائل تقديرية ولا ضير في أن يكون البعض أكثر تفاؤلا من البعض الآخر. و أنا أعمل مع كثير من أعضاء الهيئة المديرة على دفع الحوار الداخلي إلى بلورة مقترحات عملية للحل، تراعي تعقيدات الملف و تذهب إلى حيث الممكن لا إلى حيث إغراء الفرضيات القصوى. وأحسب أنه بتوفر إمكانيات حقيقية للاجتماع بالمنخرطين والبدء في المشاورات و توسيع الحوار ليشمل جميع المعنيين سيكون من الممكن التوافق على تراتيب عقد المؤتمر الوطني السادس الذي قد توكل إليه حل بعض المسائل التي تظل عالقة. 8. من وجهة نظركم ماهي الخطوات القادمة التي لابد من قطعها لتتم تسوية ملف الرابطة تسوية نهائية ؟ الخطوات المطلوبة لتسوية ملف الرابطة في هذه المرحلة تكمن في تسهيل الحوار الرابطي الذي يجب أن يكون ديمقراطيا وصريحا ولا يستثني أحدا ويفضي إلى عقد المؤتمر الوطني السادس، حوار ينطلق من إقرار الهيئة المديرة باستعدادها لمراجعة بعض المسائل التي لا تحظى بالتوافق والاستماع إلى مختلف الآراء، وإقرار المعترضين عليها بأنه لا فرصة لأية حلول تتجاهل شرعية الهيئة المديرة الحالية والهياكل المتشكلة، ويبحث في أزمة الرابطة ومستقبلها وكل المواضيع ذات الصلة وفي مقدمتها علاقة الحقوقي بالسياسي وتموقع الرابطة وعلاقتها بالسلطة وبالمعارضة بما يضمن استقلاليتها وحيادها في التنافس السياسي،ومسألة الهيكلة والبناء المؤسساتي والحرفية في الدفاع عن جميع الحقوق لجميع الناس والعلاقة بالخارج و مسألة التمويل. وهي مواضيع تحتاج إلى التدقيق والوفاق الرابطي الواسع، وقد كانت محل نقاش في الورقات التحضيرية حول الرؤية المستقبلية للرابطة خلال المؤتمر الخامس ولم يتسن حسمها، وعاد الجدال حولها بمناسبة الإعداد للمؤتمر السادس. وأعتقد أن الوضوح بشأنها في هذه المرحلة يساعد على عقد المؤتمر الذي تأخر كثيرا عن موعده ويضمن له قدرا هاما من النجاح ويساعد على استقرار أوضاع الرابطة وتطوير أدائها لاحقا.