لم يكن يدور بخلدي وتوقعاتي أن تتحول حركة المقاومة الاسلامية حماس يوم الجمعة المنقضي السابع من شتنبر 2007 الى سلطة قمعية من الطراز المفضوح على شاشات التلفزة العالمية ... فبين أكثر من قناة تلفزية عربية وأوروبية تجولت مساء الجمعة والسبت متشوفا الى معرفة اخر التطورات على الساحة الدولية , فكان المشهد مروعا حين رأيت قوات الشرطة التنفيذية بعشرات الأنفار والعديد من العربات تحاصر شابا أعزلا توسط شارعا عاما لأداء الصلاة ,في حين لاحقت عناصر اخرى رجلا في الخمسينيات يبدو أنه كان قياديا في حركة فتح بالقطاع . لم تمض دقائق على نهاية صلاة الشاب الفتحاوي الذي ترجل بعدها في هدوء وسط جموع عناصر القوة التنفيذية حتى اقتربت منه مجموعة من عناصرها المحملين بعصي خشبية غليضة ورشاشات أوتوماتيكية ليقتادوه بغلضة ووحشية الى عربة رباعية مكشوفة وسط ملاحقة عدسات القنوات ووكالات الأنباء العالمية ... لم يقف المشهد عند هذا الحد بل كشفت الكاميرا تهاوي الصورة المشرقة التي اختطتها حماس بدموع ودماء شهداء الشعب الفلسطيني وعلى رأسهم الشيخ احمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي ... لقد دفع الشاب الفتحاوي الهادئ بقوة وعنجهية الى عربة الاعتقال بعد أن انهال عليه عنصر على الأقل بالضرب بعصاه الخشبية الغليضة على ظهره ورأسه ومنكبيه وعموده الفقري في مشهد ذكرني بقساوة جنود الاحتلال أيام الانتفاضة الأولى ...!!! فوالذي نفسي بيده لقد كانت الصدمة كبيرة لما رأيت ولما تيقنت عيني من أنه مشهد حقيقي وليس صورة مفبركة أخرجتها احترافية بعض أجهزة الدعاية المناوئة كما يحصل في بعض مفترقات الرسمية العربية وغيرها من أنظمة العالم الثالث . صورة وضعتني أمام جمالية ماطرحه الدكتور حسن الترابي يوما ما من أفكار حين كتب كفارس متألق عن الديمقراطية من منظور اسلامي , ولكن سرعان ماتهاوت هذه الصورة حين تقلد ركاب السلطة وقاد تجربة سياسية اتضح مع الوقت أنها لم تختلف على عهده عن بقية ماتقدمه الأنظمة العالمثالثية , اذ تراجعت يومها الأحزاب وجيشت الجيوش ضد الجنوبين بعد أن اطلقت عليهم تسمية الخوارج وتدرجت حساباته بعدها الى سلب صلاحيات رئيس الجمهورية بعد أن اختطفته صورة الشيخ والفقيه والمنظر والمفكر الذي له السبق الكبير بين اخوانه من قادة الحركة الاسلامية العربية ....! التطورات التي حدثت في ايران الثورة والاضطهاد الذي حصل على أيام الحرب العراقية الايرانية كان هو الاخر كفيلا بسلب جمالية الشعارات التي رفعتها النخبة الصاعدة ,حين استطاعت الثورة فعلا أن تلتهم أبناءها وتحول بعضهم الى مطاردين أو محاصرين تحت سلطان الاقامة الجبرية , وهو ماكشف عن وجه اخر لم نعرف تفاصيله الا حين رأينا أبا الحسن بني صدر والامام المنتظري والأقليات المذهبية والدينية تحدثنا عن حالة من سلب الحريات التي تراجعت شيئا فشيئا مع عقلنة الدولة على عهد رفسنجاني ومحمد خاتمي . التصور الاسلامي أو المشروع السياسي الاسلامي يبدو اليوم أمام مفارقة عجيبة , اذ أن روعة الشعار ودموع المشائخ والقادة الذين حدثونا عن عدل عمر بن الخطاب وعن عدالة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما, وعن النموذج الاسلامي الحضاري يجدون أنفسهم بعد تولي مقاليد الحكم اما محاصرين بجهاز تنظيمي متضخم يعجزون عن تقليم أظافره بعد أن تحول الى جهاز أمني ومخابراتي يصعب تحديد مجالات عمله وامتداده , أو أنهم يجدون أنفسهم أمام صورتهم المخفية حين تتكشف نيات بعضهم الحقيقية وهي تولي مغانم السلطة بكل الأثمان حتى ولو كان على حساب العدل وقداسة الهدف والشعار وروعة هذا الدين وقداسة وسمو أركانه الأخلاقية والروحية . واذا أثبتت التجربة أن الجناح الاسلامي الصادق والديمقراطي لايستسيغ مثل هذه الممارسات ومن ثمة يعيد تشكيل نفسه من داخل الاطار الاسلامي الحاكم والمثقف والمناضل , فانه هو الاخر لايسلم من الاضطهاد من ميليشيات سرعان مايتحول التنظيم السري و القديم الى عمودها الفقري ... لقد فرحت كثيرا هذه المرة حين خابت تحليلات الباحثين والأكاديميين ومراكز الاستطلاع في توقع محاصصات نتائج العدالة والتنمية في الانتخابات المغربية , ومن ثمة تراجع هذا التوقع الى احتلال هذا الحزب الاسلامي المعتدل الى المركز الثاني ب 47 مقعدا بعد حزب الاستقلال , وهو ماعنى لي أن تيار العدالة والتنمية سوف لن يتحمل مسؤولية الضبط الأمني وتشكيل الأجهزة التنفيذية التي على علاقة مباشرة بسلطة الاحتكاك العنفي , وهو ماسيرشحه بلا شك الى الحفاظ على صورته المشرقة مالم يتورط في ممارسة مغارم الحكم . ان قيم العدل والحرية واشاعة الطمأنينة بين المواطنين واعادة الاسلام كقيم جمالية رائعة تعيد النبض والثقة في حضارة الأمة وامكاناتها , لاينبغي أن يسقط اليوم أو يتهاوى أمام تلهث بعض التيارات الاسلامية على حلبة السلطة , وهو مايعني أن بقاء التيارات الاسلامية في صف التيارات الوسطية المعارضة خير لها ألف مرة من تلويث أيادي وسواعد مناضليها بدماء الأبرياء وحريات الاخرين التي تتحول الى هدف روتيني بعد تاكل الرصيد الشعبي نتيجة عجز الشعار عن تلبية حاجيات الناس الأساسية في ظل حصار محكم قد تفرضه هذه الجهة الدولية النافذة أو تلك . حرره مرسل الكسيبي* بتاريخ 9 سبتمبر 2007 - 27 شعبان 1428 ه . *كاتب واعلامي تونسي- رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية :