قد تتبادر إليك عدة أسئلة وأنت بمنطقة الخليج العربي تشاهد عددا من القنوات التلفزية العربية، فتتساءل عن أهدافها ورسالتها وخلفيتها وعن سبب كثرتها وتوالدها بهذه السرعة، وعن أسمائها المتشابهة المستنسخة، وأنت تمسك بجهاز التحكم عن بعد قد يتطلب منك هذا الأمر وقتا طويلا للبحث متنقلا بين قناة وأخرى حتى تجد ضالتك، لان القائمة طويلة وطويلة جدا.... صحيح أن هذا التنوع من البث قد يكون إثراء وانفتاحا على الآخر، وصحيح أن هناك تطورا في هذا المجال تستخدم فيه أجهزة وتقنية مختلفة، وتعتمد إمكانيات مادية ضخمة، وينتدب له خبرات محلية وأجنبية من الإعلاميين والباحثين و الموظفين والعاملين، ووجه الشبه بين هذه المحطات تغنيها بحرية الإعلام والرأي والتحرر والإصلاح، التي لا تراعي قيما و لا أخلاقا رغم خصوصية هذه المجتمعات المحافظة، و ذلك من خلال بيع الأحلام الوردية عن الرخاء والرقي وتعظيم اللذة، والتصعيد المستمر للرغبات الاستهلاكية والجنسية اذ قد يفوق بعضها عن القنوات الغربية في تقديس المنفعة المادية واللذة الغرائزية، بإشاعة الفسق والفجور والمجون والإباحية. ومن هنا تتساءل ماذا تريد هذه القنوات؟ وهل هذه هي رسالتها وأهدافها الحقيقة؟ ومن ورائها؟ وماذا يراد بشباب وشعوب هذه المنطقة؟ لماذا ضخ هذا الكم الهائل و اللا متناهي من المغالطات والكذب والمسخ و الاثارة، وإشاعة الهرج والمرج بموسيقى صاخبة وسهرات راقصة مائعة، ما الفائدة من هذه الدعاية الرخيصة للموضة والزينة !! ولماذا هذا الحيز الكبير من الحوارات والبرامج التي تتحدث عن كيفية التخلص من السمنة، بالإطناب في وصفات الأكل والحلويات والمشروبات والرقص المستهتر للفتيات والفتيان كوسيلة لإكسابهن الرشاقة والنحافة، وبرامج قراءة الأبراج والثقافة الجنسية الغير نظيفة فتتعلم الفتاة كيف تستميل عشيقتها و تملك فارس أحلامها ؟ إلى غير ذلك من البرامج التافهة المملة، وأغاني الكليب، وتنظيم مسابقات ملكة الجمال واختيار أحسن الممثلات وبائعات الهوى في استعراضات سافرة تخدش الحياء. أما عن عروض الاحتفالات والمهرجانات في المنتزهات والملاهي لأحدث الألبومات والمسرحيات والمسلسلات المد بلجة التي تدعو باسم الحداثة والانفتاح إلى الانحلال، وباسم الحرية إلى الشذوذ والرذيلة فحدث و لا حرج، فهل هذه رياح العولمة التي تهب علينا منذ سنين بإعادة تشكيل العالم و إعادة صياغة قيم المسلمين وأفكارهم وأنماط سلوكهم وحياتهم، بما يوفر شروط الاستسلام والخنوع لمخططات وسياسات الهيمنة باسم التسامح والسلام العالمي و ثقافية النظام الدولي الجديد؟ في حين تمر الأمة بأحلك أيامها من حروب طاحنة ومجاعات قاتلة وإهانات وإساءات لمقدساتها... فكأن هذه القنوات وبرامجها مسخرة لتغييب الأمة وصرفها عما يدور حولها من قتل وانتهاك للحرمات في العراق وتجويع للفلسطينيين.. إنها فعلا مؤامرة خطيرة تسخر لها كل الإمكانيات والوسائل لاستهداف وعزل هذا الزخم الشعبي الكبير و تحييد هذه الإمكانيات المالية الضخمة، انه فعلا غزو ومسخ يصعب وقفه ومكافحته مع ندرة القنوات والبرامج والوسائل الهادفة والصادقة التي تحصن وتحمي المجتمع من عملية غسل الدماغ و التهميش، إنها مؤامرة تستهدف كل ما هو مقدس على كل الأصعدة لتختفي القيم والمبادئ تماماً ويغيب الوازع الديني و يشاع الفساد، حتى يفقد الجميع أي خصوصية ضمن أجندة مكشوفة الأهداف والنوايا .. أما تغطية هذه القنوات للأخبار والأحداث والمستجدات المؤلمة فيطغى عليها الاستهتار والاستهزاء، وهدفها تسريب روح الانهزام والإحباط ، تسمى قوات الاحتلال بقوات التحرير، وتصف المقاومة بالإرهاب، ويتعمدون في نشراتهم الإخبارية تبرير الكذب والتلاعب بالألفاظ وتزيين الشر، ويتم تصوير كل جريمة، بأنها قضاء وقدر، في محاولة لتبرئة المجرمين الحقيقيين، ولا يحترمون قيمة الإنسان عند تعرضهم لأحداث قتل العراقيين وأعمال التخريب المؤلمة بالعراق مثل تفجير المرقدين وحادث استشهاد الفتاة المجاهدة أطوار بهجت فتراهم و كأنهم يغطون حفل زفاف أو تقديم فنانة في حفل غنائي صا خب لا اعتبار لقدسية الموت ولا احترام لمشاعر أهل المفقودين أوالمشاهدين . أما عدوى الإساءة للإسلام فقد عمت جل هذه القنوات رغم أنها تدعي انتماءها ودفاعها عن هوية وعقيدة هذه الأمة عبر أفلام وبرامج وثائقية وحوارات مباشرة لا تقل تهجما وتهكما عن القنوات الغربية اذ الفرق الوحيد هنا أن هذا كله يدار بأموال وأيد عربية بحجة الحداثة والانفتاح ومحاربة التشدد والتعصب. وأمام هذه الحقائق التي تكاد تكون القاسم المشترك الأعظم لمادة أجهزة الإعلام العربية من حقنا أن نسال عن هدف هذه القنوات المعروفة و المشهورة ببرامجها تلك، فهل هذا هو الاصلاح المنشود وإنقاذ العرب من تخلفهم و مساعدة الشعوب المتعطشة للحرية والعدل والديمقراطية لبلوغ غايتها؟ ويبقى للقنوات التلفزية الهادفة التي همها الإصلاح وتكريس الحرية والديمقراطية - رغم قلتها – الدور الأكبرفي إفشال هذه المشاريع الخطرة، مثلما كان لها الفضل في إفشال غيرها من المأمورات والخطط التي عملت على إفساد الحرث والنسل... خاصة مع تظافر جهود العلماء المفكرين والباحثين والمسؤلين الوطنيين الصادقين في أمتنا .