الاستقبال الرسمي والشعبي الحاشد الذي حظي به رئيس الوزراء إسماعيل هنية، ومخاطبة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة له بأنه زعيم فلسطين وأن حكومته شرعية، أمور سببت حرجاً على المستويين السياسي والدبلوماسي لشخص الرئيس عباس- وفق المراقبين للموقف- واعتبروا اعتذار "عباس" عن تلبية الدعوة بمثابة "عتاب دبلوماسي" أو "رد اعتبار". ترك الاعتذار الذي قدمه رئيس السلطة محمود عباس، عن عدم تلبية دعوة نظيره التونسي المنصف المرزوقي لحضور احتفالات انتصار الثورة التي أسقطت نظام بن علي السابق، تساؤلات عدة حول الأسباب والتداعيات الحقيقية التي تقف وراء رفض الزيارة. فالاستقبال الرسمي والشعبي الحاشد الذي حظي به رئيس الوزراء إسماعيل هنية، ومخاطبة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة له بأنه زعيم فلسطين وأن حكومته شرعية، أمور سببت حرجاً على المستويين السياسي والدبلوماسي لشخص الرئيس عباس- وفق المراقبين للموقف- واعتبروا اعتذار "عباس" عن تلبية الدعوة بمثابة "عتاب دبلوماسي" أو "رد اعتبار". وإن كان "الحرد" الفلسطيني قد يستغرق برهة من الوقت، فالأولى بالرئيس عباس - كما يرى المراقبون- إبقاء الباب مفتوحاً مع الحاضنة الكبرى لمنظمة التحرير الفلسطينية رغم صعود الإسلاميين فيها إلى سدة الحكم. العتاب الدبلوماسي : وقد تزامن اعتذار الرئيس عباس مع الزيارة التي نفذها إسماعيل هنية لتونس في الخامس من الشهر الحالي في إطار جولته الخارجية. "العتاب الدبلوماسي" هو الهدف الأساسي من الرسالة التي أرادت أن توصلها السلطة الفلسطينية إلى تونس بصورة "مؤدبة" حينما اعتذرت عن تلبية الدعوة – يقول ذلك الدكتور ناجي شراب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر تعقيباً على الموضوع. وأوضح شراب أن استقبال تونس لهنية استقبالاً واسعاً، وخطاب الغنوشي قد أحرج عباس الذي هو بخلاف مع برنامج شرعية الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة. وأوضح شراب أن تونس حين استقبلت هنية لم يكن الاستقبال على مستوى رئيس الوزراء أو شخصية رفيعة في "حماس" بل امتدت لأبعد من ذلك. وخصص هنية اليوم الأول من زيارته للقاءات رسمية مع الرئيس التونسي ورئيس الوزراء حمادي الجبالي ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر. وقد جرى استقباله بشكل رسمي في المطار، حيث عزف السلامان الوطنيان الفلسطينيوالتونسي، قبل أن يستعرض حرس الشرف، وهو تقليد دبلوماسي عادة ما يقدم لرؤساء الدول. وأشار المحلل السياسي إلى أن توجيه تونس دعوة للرئيس عباس لزيارتها بعد استقبالها هنية قد سبب له أيضاً حرجاً "حيث لم يرق لعباس أن يكون الرجل الثاني في الزيارة أي يزور تونس بعد هنية". ومع ذلك فقد رأى المحلل شراب أن قرار عباس برفض الزيارة "غير موفق" خاصة وأن تونس الآن بنظام جديد بخلاف السابق وأن السلطة الفلسطينية بحاجة لبناء علاقات جديدة معه، لا سيما وأن حركة النهضة في هذا البلد "تيار إسلامي". ولفت شراب إلى أن تونس حينما أدركت المأزق الذي وضعت فيه "عباس" بادرت بتوجيه دعوة له من رئيسها شخصياً ل "رد الاعتبار". "برهة من الوقت" : وكانت زيارة هنية إلى تونس، التي استغرقت 5 أيام، أثارت غضب الدبلوماسيين الفلسطينيين المعتمدين هناك بسبب ما حظي خلالها من استقبال رسمي من دون التنسيق بشأنها مع السلطة الوطنية الفلسطينية وسفارتها في تونس. وشكل فوز حزب النهضة الإسلامي ب"41" بالمئة من مقاعد مجلس الشعب التونسي، وتشكيله حكومة من رئاسته، إضافة إلى مساندته لرئيس البلاد المنصف المرزوقي، كان أهم الأسباب التي وقفت وراء الاستقبال الرسمي لهنية الذي يعد أحد قادة حركة حماس. وتشعر حركة حماس الآن أن جملة المتغيرات في الساحة العربية والتي جاءت بأحزاب إسلامية إلى سدة الحكم كما حدث في تونس والمغرب ومصر تصب في صالحها. ونقل تصريح صدر عن مكتب هنية عن الغنوشي قوله لهنية "أنت زعيم فلسطين، وحكومتك شرعية ومنتخبة من شعبك، وإن كان هناك أي طريقة يراها العالم لشرعنة أي حكومة فليخبرونا بها'. الكاتب والباحث اليساري تيسير محيسن رجح بقاء السلطة متخذة موقفاً من تونس لبرهة من الوقت، رداً على ما اعتبرته "السياسية غير التوازنية". وأوضح محيسن أن السلطة كانت تنظر إلى تونس على أنها الحاضنة الكبرى لمنظمة التحرير والبلد الذي منح الفلسطينيين حرية واسعة "وبالتالي في استقبال النظام الجديد لهنية ومخاطبته بمثل هذا الأسلوب رسالة مفادها أن السلطة لم تعد المخولة الوحيدة باسم الشعب الفلسطيني وأن هناك شريكاً آخر لابد من الانفتاح عليه". يجدر الإشارة إلى أنه في 10 آب/ أغسطس 1982 شهدت تونس حدثاً مهماً إذ استقبلت زعيم منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات وجميع عناصره الذين كانوا في بيروت إثر الحصار الإسرائيلي المفروض عليها وذلك بعد الدور الدبلوماسي الذي لعبته تونس عربياً (بعد انتقال مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس عقب اتفاقية كامب ديفيد) ودولياً. واتخذت منظمة التحرير الفلسطينية من تونس مقرا لها لمدة عشر سنوات، قبل أن يمهد اتفاق أوسلو عام 1993 الطريق أمام عودتها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة. وأشار محيسن إلى أن السفارة الفلسطينية في تونس أرسلت تقاريرها المنتقدة لزيارة هنية إلى تونس وكيف حظي بترحاب واسع، وهذه التقارير شكلت حرجاً لموقف الرئيس عباس الذي فضل الرد على ذلك بالاعتذار عن الزيارة. وأوضح أن جولة هنية التي شملت مصر والسودان وتركيا قبل تونس لم تقلق القيادة في رام الله، على اعتبار أنه جرى التعامل مع الرجل على أنه 'شخصية قيادية رفيعة في حركة حماس، ورئيس وزراء أسبق، لكن في تونس تم التعامل معه بما يخالف الأعراف الدبلوماسية المعمول بها. وكان الرئيس عباس زار تونس مرتين عقب نجاح الثورة وسقوط نظام الرئيس بن علي، وعقد خلال زيارته لقاءات مع المسؤولين هناك، وأرسل برقيات تهنئة إلى الرئيس التونسي وكذلك إلى الغنوشي رئيس حزب النهضة بعد إجراء الانتخابات التشريعية هناك. المصدر: فلسطين أون لاين-الأربعاء, 11 يناير, 2012