أخضع مفكرون وأضداد من أشهر التيارات السنية والشيعية، الحركة «السلفية» لمحاكمة نقدية، في عقر السعودية، التي شاركت حركة إصلاحية ترفع شعار السلفية في بنيانها. وتفاوت النقد الذي تناول «السلفية» كمفهوم ومصطلح وتيارات، بحسب المشاركين، الذين جاؤوا من كل المشارب التقليدية والعقلانية والليبرالية. إلا أن الندوة التي قُسمت على مرحلتين، اكتفت بإثارة الجدل، ولم تختم مداولاتها بخلاصة أو بيان جامع، لرؤية المحاضرين حول المصطلح المثير للجدل. المتناقشون في الندوة التي نظمها القائمون على مهرجان «الجنادرية» أمس في الرياض، أعادوا تكرار الآراء نفسها التي عرفت عن تياراتهم، فالمنتمون للمدرسة التقليدية وعلى رأسهم رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ صالح بن حميد، اكتفوا ببيان مرجعية «السلفية» كمصطلح يراد به اتباع الكتاب والسنة، وفق فهم الرعيل الأول من الصحابة والتابعين، ومن جاء بعدهم من القرون المفضلة. وهو تيار وجد أنصاره في الندوة وخلص إلى أن «السلفية منهج لا تيار». مهما تعددت التسميات في نظر هذا الفريق، وساء التطبيق، تبقى «العبرة بالمنهج»، الذي لا يجوز أن يحمل مسؤولية التطبيقات الخاطئة. المناصرون لهذه الفكرة يقتربون من الجزم بأن «السلفية هي الإسلام» نفسه، كما يزعم مخالفوهم. ويعتبرون نقد السلفية نوعاً من «الوقوع في خطط الأعداء» كما نبه سعد الغنام في الندوة نفسها، قبل أن يؤيده في ذلك ابن حميد الذي اعتبر النيل من الدين يمرر كثيراً عبر نقد «السلفية والوهابية» ونحوهما. أما الفريق المتحامل على السلفية كالتيار العقلاني والليبرالي فهما يتقاطعان عند «رجم السلفية (شيعية أو سنية) بأخطاء كثيرة، بينها فشلها في التصالح مع الدولة الحديثة، وقولها إن الإسلام دين ودولة». وهذا الفريق الذي بدا أكثر بروزاً في الندوة مثلته شخصيات مثل الدكتور رضوان السيد ومحمد الأمين من لبنان الذي قال صراحة إن «السلفية اتجاه عام في المذهب السني والشيعي كرد فعل على النزعة الغربية وانهيار الخلافة» وتعني في نظره العودة إلى الماضي بكل عيوبه، ولذلك نصح باستبدال «المستقبلية» بها. ويقترب من هذا الاتجاه الكاتب السعودي عبدالله البريدي، إلا أنه ركز على نقد ممارسات «السلفية المحلية» الطاغية في الجزيرة العربية، في إشارة إلى دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية، التي نبه بصراحة إلى أنها ليست «الإسلام»، كما يحاول بعض أنصارها أن يروجوا. وذكر عدداً من سماتها في «التشدد الفقهي، ودعوى المثالية المفرطة، وتزكية النفس..إلخ»، على حد قوله. لكن البريدي خلص في النهاية إلى مخرج وافقه عليه الإعلامي عادل الماجد، فدعا إلى «تجاوز السلفية إلى رحابة الإسلام»، إذ اعتبر الماجد مصطلح «السلفية»، بُعث في وقت كانت الحاجة إليه ماسة في عهد ابن تيمية، أما الآن فحان الوقت للعودة إلى «الإسلام» الذي سمى الله به أتباعه كما في القرآن الكريم. في ختام النقاش عاد الفريق الأول لما أثير حول الدعوة السلفية المحلية، فصادق على قول الدكتور خليل الخليل «السلفية في المملكة نجحت، فلم تعق إنشاء دولة حديثة، في حين فشلت في أفغانستان على يد طالبان، ما يعني أن البيئة مؤثرة في نجاح المفهوم أو فشله»، هذا القول اعتبره ابن حميد بذكائه المعتاد دليلاً من الواقع على أن الخلل ليس في «السلفية» كمنهج قابل للتطبيق، وإنما في الترجمة الخاطئة كما حدث في أفغانستان والعراق، وهما تجربتان قال إن «السلفية منهما براء». الحياة السعودية-الإثنين, 22 مارس 2010