تشهد الساحة التونسية في الفترة الأخيرة نقاشات مكثفة تعكس الحراك الذي يعيشه المشهد السياسي التونسي في إستعداده لمتطلبات المواعيد والإستحقاقات المقبلة. وقد تعددت في الفترة الأخيرة منابر الحوار والمطارحات السياسية التي تنشر عبر الصحافة ووسائل الإعلام بخصوص القضايا التي تهم الرأي العام والمستجدات المتعلقة بالإستعدادات الجارية على مختلف الأصعدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية للإعداد للمواعيد المقبلة وفي مقدمتها الإنتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة لعام 2009. ويشير المراقبون إلى أن مختلف القوى السياسية الفاعلة في الساحة الوطنية، من حزب غالبية حاكم إلى أحزاب معارضة، بدأت تحكم الإستعداد من الآن للإستحقاقات القادمة خاصة في ضوء الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس زين العابدين بن علي في عيد الاستقلال يوم 20 مارس/آذار 2008 بهدف تعزيز تعددية الاستحقاق التشريعي والرئاسي لعام 2009. وبعكس ما تروج له وجوه المعارضة الراديكالية فإن غالبية الطبقة السياسية ترى أن شروط الترشح للانتخابات الرئاسية قد أضحت تكتسي مرونة أكبر اعتبارا لكونها أصبحت تشمل رؤساء الأحزاب المعارضة غير الممثلة في البرلمان (شرط أن يكون رئيس الحزب المعارض منتخبا في تلك الخطة منذ أكثر من عامين). إلى جانب ذلك سوف تستفيد أحزاب المعارضة من الترفيع في النسبة المضمونة لأحزاب المعارضة في مقاعد البرلمان من 20 في المئة إلى 25 في المئة من مجموع المقاعد وهو ما يمثل توسيعا لمجال التعددية في البرلمان القادم أيا كانت النتائج. وإذا كان بعض شخوص المعارضة الراديكالية يعترضون على تنصيص القانون على ضرورة أن يكون قادة الأحزاب المترشحين منتخبين على رأس أحزابهم منذ سنتين على الأقل، فإن الناشطين السياسيين القريبين من الحزب الحاكم يرون أن قياديي المعارضة الذين تخلوا عن قيادة احزابهم، على غرار نجيب الشابي، أو هم عجزوا عن عقد مؤتمرات انتخابية لأحزابهم، مثلما هي الحال بالنسبة إلى السيد المصطفى بن جعفر، لا يمكن أن يطالبوا الدولة بقوانين «تتناسب وحالاتهم الفردية». ويتوقع الملاحظون أن تعمل المعارضة الراديكالية من أجل الإبقاء على الجدل بهذا الشأن ولو تطلب ذلك الاعتماد على بعض الدوائر السياسية والصحفية الأجنبية. وفي الأثناء اخذت الأضواء تسلط على الحزب الحاكم الذي يتأهب لعقد مؤتمره الصيف القادم في أواخر تموز/يوليو المقبل. وقد كثف التجمع الدستوري الديمقراطي ) 80 في المئة من المقاعد في البرلمان) من منابر الحوار التي يشرف عليها أعضاء الديوان السياسي أو اللجنة المركزية للحزب، وهي حوارات تجري مع مناضلي هذا الحزب الذي تأسس عام 1934 ويضم حاليًا في صفوفه أكثر من مليوني منخرط في بلد لا يزيد عدد سكانه عن العشرة ملايين نسمة مما يعكس قدرته التعبوية بالمقارنة مع باقي أحزاب المعارضة التي تبدو عاجزة على مجاراة نسقه وغارقة في خطاب سياسي نخبوي لا يواكب في معظم الأحيان الشواغل الحياتية لمعظم المواطنين في تونس. وقد لاحظ المراقبون أن مجمل تدخلات مناضلي التجمع في إطار الحوارات الحزبية المتعددة تتركز حول المشاغل التي تمس حياة المواطن التونسي مباشرة. مثل الحفاظ على درجة الرخاء وتوفير مزيد من فرص الشغل واستحثاث نسق التنمية ومدى صلابة الاقتصاد الوطني في مجابهة انعكاس الارتفاع المتواصل لأسعار النفط وأسعار المواد الغذائية العالمية التي تورد تونس الجانب الكبير منها للاستهلاك المحلي . وتبذل الدولة جهودًا كبيرة لمجابهة هذه الارتفاعات دون المس بالطاقة الشرائية للمواطن مع الحرص على عدم السقوط في فخ التضخم عبر سياسات اقتصادية سمحت حتى الآن بألا يتجاوز معدل التضخم 3 في المئة حسب المصادر الرسمية . كما يجري أيضًا الحفاظ على دعم الدولة للمواد الغذائية الأساسية وفي مقدمتها الخبز بوساطة الآلية المعتمدة وهي صندوق التعويض لتمكين المواطن من رغيف سعره في متناول الطبقة الوسطى التي تمثل حوالى ثمانين في المئة من مجموع السكان. وقد تضاعفت الأموال المخصصة لدعم المواد الغذائية إلى ما يقارب البليون دولار بالنسبة إلى السنة الجارية 2008، إضافة إلى الأموال الأخرى المخصصة لتعويض الارتفاع المشط في أسعار النفط في العالم، حيث تضاعفت الاعتمادات التعويضية للنفط إلى أكثر من بليون دولار خلال السنة نفسه للمحافظة على سعر مدعوم ومقبول لدى الشريحة المتوسطة للسكان بالنسبة إلى البنزين والمحروقات. وتبذل الجهات الحكومية جهودًا كبيرة في مجال إعادة رسم أولويات ميزانية الدولة ومخطط التنمية الوطنية من اجل أقلمتها مع التطورات السلبية التي تشهدها أسعار المحروقات والمواد الغذائية في العالم والتي لم تسلم من تداعياتها السلبية أي من بلدان العالم في نظر المراقبين . وبالتوازي مع ذلك تسعى الجهات الرسمية إلى حث المواطنين على ترشيد استهلاك الطاقة في المنازل والمكاتب وفي الحياة اليومية وترشيد استهلاك المواد الغذائية المدعمة وتفادي التبذير والإسراف حيث تشير التقديرات أن حوالى ثلث الخبز المطروح في الأسواق يلقى به في سلة الفضلات حيث أصبح مربو الماشية والابقار يستعملونه لعلف الحيوانات. كما تشهد تونس منذ أكثر من شهرين استشارة وطنية عليا حول الشباب دعا إليها الرئيس بن علي سعيا منه إلى تطوير الخطاب السياسي وإدماج الشباب ضمنه وتأكيدا لهدف مزيد التواصل مع الشباب وتأطيره وحثه على المشاركة في الحياة العامة وخاصة السياسية منه. وقد شهدت منابر الحوار التي عقدت مع الشباب في مختلف جهات الجمهورية التونسية مناقشات صريحة جدًا حول كل شواغل الشباب. وتفيد المصادر القريبة من الهيئة الوطنية المشرفة على تنظيم الاستشارة أن فضاءات الحوار قد استقطبت إلى غاية نهاية مايو 2008 أكثر من 150 ألف شاب استطاع أن يتطارح خلالها شباب تونس القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وثقافية والحضارية والفكرية والمرجعية دون أي قيد أو حدود، مما سمح بالخروج باستنتاجات ستساعد على تحديد الاستراتيجية الوطنية المستقبلية في مجال التربية والتكوين والتشغيل والتأهيل والترفيه الموجهة للشباب والتي ستتوج في تشرين الثاني/نوفمبر 2008 باعتماد ميثاق شبابي يعكس طموحات ومشاغل الشباب التونسي.