اعتُبر أن قلة من الناس كانوا يتحدثون في العالم العربي منذ عدة سنوات حول علاقة تكنولوجيا المعلومات بحركات التغيير في المجتمع، وربما لا يلتفت إلى قولهم أحد، لكن الأمر صار اليوم مختلفا بعد أن خرجت دعوات تنظيم إضراب 6 أبريل الجاري، ودعوات إضراب 4 مايو القادم من على موقع "الفيس بووك" من شباب يمثل كل ألوان الطيف المصري، وفي نهاية فبراير الماضي (2008) أصدرت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" تقريرها حول ندوة "الإنترنت وحقوق الإنسان - آليات الدعم المتبادل"، والتي عقدت في الفترة من 20 إلى 21 فبراير 2008 بالقاهرة، وشارك فيها عدد من المدونين ونشطاء ومنظمات حقوق الإنسان والمواقع الإعلامية في العالم العربي، وشاركت فيها شبكة "إسلام أون لاين.نت"، وقد رأينا أن نقوم بنشر خلاصة الورقة التي قدمها كاتب هذا المقال، وكذلك نشر ورقة علاء عبد الفتاح ومنال حسن الناشطين في المجال التكنولوجي بعنوان: "تكنولوجيا من أجل التغيير"؛ وذلك إثراء للنقاش حول علاقة تكنولوجيا المعلومات بالنضال من أجل التغيير وإقرار الحقوق. الإنترنت وحقوق الإنسان.. تفكيك مفردات العلاقة كانت مناقشات الندوة قد دارت على مدار يومين موزعة على 9 جلسات من خلال استعراض خبرات التدوين والنشاط الحقوقي عبر الإنترنت في علاقته بالصحافة الإلكترونية، وكان التساؤل الرئيسي للندوة يدور حول كيفية تحقيق الدعم المتبادل بين الإنترنت وبين النضال من أجل حقوق الإنسان في العالم العربي، وللإجابة عن هذا التساؤل والاشتباك مع مفردات الثنائية التي تطرحها الورشة حول الإنترنت وحقوق الإنسان دعوت من خلال الورقة التي قدمتها بالجلسة الأخيرة في الندوة إلى تفكيك تلك الثنائية إلى جزئياتها بالحديث حول كل مفردة على حدة. وكانت المفردة الأولى وهي الإنترنت أو ما أفضل أن أسميها وأوسع نطاقها لتشمل: "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل عام". أما المفردة الثانية فهي: "حقوق الإنسان" كمفهوم وممارسات، وما يلتبس بالمفهوم وممارسيه من إشكاليات، وما يلتصق بهم من صورة ذهنية. أما المفردة الثالثة والتي أرى لزامًا البحث عنها فهي السياق الذي تتم فيه هذه العلاقة القائمة على الدعم المتبادل. تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.. إمكانات ومحددات ونحن نفكك المنظومة من المهم أن ندرك عددا من الأمور التي ترتبط بإمكانات تلك الأدوات ومحدداتها، وهي: أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تتمتع بالديناميكية العالية والتي تتجلى في أنها تتطور وتتداخل مفرداتها بشكل غاية في السرعة (الإنترنت- المحمول- الفضائيات، وما يلي ذلك وهو قيد الإعداد و/ أو التطوير أو حتى ما زال خيالا) (وهو ما سمي بثورة الإنفوميديا). أن تلك التكنولوجيا تمتلك وتملك المواطن والإنسان الذي يتعامل معها مساحة واسعة ومتصاعدة من الإمكانات، كما أنه يحدها مجموعة من المحددات. أن تلك التكنولوجيا لها انعكاساتها الاجتماعية والنفسية والثقافية التي لا بد من إدراكها. لعل مما ينبغي ذكره من إمكانات هنا فيما يخص الإعلام والاتصال: دعم ما يسمى ب"حركة الإعلام البديل"، أو "حركة المواطن الصحفي"، والتي تتعلق بشكل أساسي بحركات التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي في المجتمع. ومما ينبغي ذكره من المحددات: انتهاك خصوصية المستخدم واستغلال المعلومات المتاحة عنه من قبل الحكومات والأنظمة المستبدة، ومن قبل الأجهزة الأمنية التي ترصد وتحلل البيانات والتفاعلات الحادثة في فضائه، وما تتعرض له تلك الأدوات من حجب أو مراقبة، إضافة لمحدودية انتشار بعضها. أما الانعكاسات الاجتماعية والنفسية والثقافية فيمكن أن نذكر منها: ما قد تتسبب فيه تلك التكنولوجيات من زيادة العزلة وتقطيع الأواصر الاجتماعية ومن ثم إضعاف رأس المال الاجتماعي، كما يمكننا أن نذكر هنا نشوء أمراض وتشوهات نفسية ناتجة عما يسمى بإدمان الإنترنت (راجعوا ما يكتب عن علم نفس الإنترنت)، وما قد ينتج عن الأداة من التعرض لمنظومات مختلفة من الأفكار والقيم والعقائد والأيديولوجيات التي يجب أن نتعامل معها بالمناعة لا المنع الذي لم يعد أمرا مجديا. حقوق الإنسان.. المفهوم والسياق كشفت الدراسات التي أجرتها الشبكة والنقاشات التي دارت في اليوم الأول للورشة عن عدة نقاط لا بد من الإشارة إليها: أن الصورة الذهنية لدى المواطن العربي وحتى لدى المثقف والناشط العربي تتسم إلى حد كبير بالسلبية والتي ينبغي ألا نتعامل معها أو ننظر إليها بنظرة استعلائية أو استخفافية، بل لا بد من احترام كل التخوفات والشكوك التي تكون جزئيات تلك الصورة الذهنية. أن تلك الصورة الذهنية ناتجة عن ممارسات القوى الدولية (ازدواجية المعايير- مبررات التدخل في شئون الدول الأخرى) والمنظمات المحلية المعنية بحقوق الإنسان في الأساس (الارتزاق- الفساد...إلخ)، كما أنها ناتجة عن نشوء هذا المفهوم بالأساس خارج السياقات العربية بشكل أساسي. أن هناك أزمة حقيقية في توصيل المفهوم إلى الناس (عامتهم ومثقفيهم) الأمر الذي يجعله مفهوما نخبويا، غير مفهوم ولا مستوعب. أما السياق الذي يجري فيه النضال الحقوقي والذي نتطلع فيه إلى دعم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات له فينبغي أن نتذكر حوله عددا من الأمور: أنه سياق ديناميكي يتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، ويتكون من مناخ سياسي وقانوني واجتماعي وثقافي، وأن هذا السياق هو الذي تسير أو تعمل فيه العلاقات بين الأدوات التكنولوجية ومفهوم وممارسات حقوق الإنسان. أن الجمهور المستهدف بالنضال الحقوقي وهو جمهور تغلب فيه الأمية وقلة الثقافة والبعد عن استخدام بعض تلك التقنيات نظرا للصعوبات الاقتصادية و/ أو الصعوبات المرتبطة بالبنية التحتية. أن السياق القانوني العربي لاستخدام تلك التقنيات آخذ في الانغلاق نتيجة لتصاعد النشاط الحقوقي من خلالها، وما قانون تنظيم الفضائيات الذي صدر في اجتماع وزراء الإعلام العرب الأخير منا ببعيد. الدعم المنشود كيف يمكن تحقيقه؟ لتحقيق الدعم المتبادل المنشود لا بد من عدد من الإجراءات والممارسات والأنشطة، والتي تشمل نفس تلك المفردات: فيما يخص الأدوات التكنولوجية: علينا أن نعمل على تقريب الفجوة والهوة بين الناس وبين تلك الأدوات من حيث الاستخدام الذي يدعم حقوق الإنسان، ويسير ذلك التقريب في اتجاهين من الناس إلى الأدوات بمزيد من الإتاحة الجماعية ذات الأبعاد الاجتماعية والتحفيز على الاستخدام، ومن الأدوات إلى الناس بمزيد من تقريب تلك الأدوات لأذهان الناس وشرح الإمكانات التي تتمتع بها بما يعظم من الاستفادة منها فيما يحقق مزيدا من العدالة والحرية، ومزيدا من التنمية والنهضة، ومزيدا من مقاومة الإفساد، ومزيدا من تحقيق التدافع السلمي لفئات المجتمع، وبإجمال يحقق مزيدا من جلب المصالح ومزيدا من درء المفاسد. توثيق خبرات وقصص نجاح استخدام تلك الأدوات في النضال الحقوقي، والخروج منها بدروس مستفادة، مع الاطلاع على خبرات الآخرين في هذا المجال ونقلها إلى المجتمع واللغة العربية. التدريب على استخدام تلك الأدوات وأعني بها الإنترنت (Cyber-Activism) والمحمول (Mobile Activism) في النضال الحقوقي، وفي مهارات المواطن الصحفي ومفهوم الإعلام البديل أو إعلامنا (للمدونين ومستخدمي الإنترنت بشكل عام). وفيما يخص مفهوم حقوق الإنسان: تقريب المفهوم وتفكيكه وتعريبه (وليس ترجمته)؛ ليكون بلغة يفهمها الناس على جميع مستوياتهم، وتحليل الصورة الذهنية السائدة حول المفهوم والتعامل معها بما يزيلها أو يعدلها، كما يجب مراعاة أنه لابد من التعامل بحكمة واحترام لقيم ومعتقدات الناس وعاداتهم خاصة فيما يخص المفهوم. أما فيما يخص السياق: فلا بد من فهم ودراسة السياق المؤثر في طرفي المعادلة وفي مجريات العلاقة بينهما فهما جزئيا وتفصيليا بجميع مكوناته ومستوياته، ولابد من مراعاة أمية وفقر وجهل الكثير من الناس بتلك الأدوات وهذا المفهوم، وصعوبة وصول بعضهم إليه، وأن النضال الحقوقي من خلال استخدام تلك التكنولوجيات لا ينبغي أن ينفصل، بل لا بد أن يتكامل مع النضال الحقوقي في المجال العام باستخدام الأدوات المعروفة في النضال الميداني على أرض الواقع. ثقافة ممارسة الحرية.. حزمة من الأدوات نؤكد مرة ثانية على التوثيق، وله فنون في القيام به، كما نؤكد استغلال برامج تعليم الكبار بمنهج باولو فريري الحواري التحريري، مع استحضار تجربة الحزب الوطني القديم في مدارس الشعب الليلية؛ وذلك من أجل كسر حاجز نخبوية مفهوم حقوق الإنسان والأدوات التكنولوجية، مع الاستفادة من إمكانيات التدريب الإلكتروني في تطوير خبرات ومهارات المناضلين الحقوقيين في مجالات النشاط الإلكتروني ونشاط التليفون المحمول والمواطن الصحفي من أجل تحقيق العدالة والحرية. إصدار دليل عملي يحتوي على خطوات عملية، وقصص نجاح أو فشل، ودروس مستفادة، ومصادر معرفية للاستزادة. آملين في النهاية تمليك الأدوات التكنولوجية والمفهوم الحقوقي للناس، بما يحقق استعادة ثقافة ممارسة الحرية والقدرة على الإبداع في أشكالها. -------------------------------------------------------------------------------- د. مجدي سعيد رئيس التحرير التنفيذي لموقع مدارك (تحت التأسيس) أحد مواقع شبكة إسلام أون لاين.نت