عاجل/ تقلبات جوية الليلة: الحماية المدنية تحذّر وتتخذ هذه التدابير    أريانة: المترشح للرئاسية زهير المغزاوي يستمع الى مشاغل متساكني معتمدية رواد    اقصاها في صفاقس: كميات الامطار المسجلة بولايات مختلفة    الليلة: امطار غزيرة ورعدية مع رياح قوية بهذه المناطق    دغفوس: المتحور الجديد لفيروس كورونا "إكس إي سي"سريع الانتشار لكنه غير مثير للقلق    هام/ المتحور الجديد لكورونا: د. دغفوس يوضّح ويكشف    رئاسية 2024/ توجيه منشور للادارات والهياكل العمومية    عاجل : إنهاء مهام عواطف الدالي وتعيينات جديدة في الإعلام التونسي    "صلامبو"..معرضا فنيا في المتحف الوطني بباردو    عدد من نواب الشعب يطالبون لجنة المالية بالتسريع بعرض مجلة الصرف على الجلسة العامّة    وضع حجر أساس إنجاز المحطة الشمسية الفولطاضوئية بولاية سيدي بوزيد    الخطوط التونسية تعلن عن إلغاء رحلاتها من وإلى العاصمة المالية باماكو    منع جماهير مارسيليا من السفر إلى ليون    القصرين: الأمطار الأخيرة بفوسانة ساهمت في امتلاء بحيرات بالمنطقة    تونس: ضبط نفرين أحدهما محل بطاقة جلب دولية وصادر في شأنه حكم بالسجن مدته 40 سنة    الاتحاد الفلاحي يدعو الحكومة لتعديل أسعار الحبوب وإنصاف الفلاحين المتضررين    الخطوط التونسية تعلن عن إلغاء رحلاتها من وإلى العاصمة المالية « بوماكو » إلى حين إشعار آخر    نصر الله: محاولة إقامة حزام أمني داخل لبنان لن يشغلنا بل سيتحول إلى فخ وجهنم للجيش الإسرائيلي    بذريعة "معاداة السامية"... حملة ضد المسلمين في فرنسا    سيناتور أمريكي يعتزم تقديم مشروع قرار لوقف بيع أسلحة ل"إسرائيل"    عاجل :وزير الشباب و الرياضة يحل جامعتين تونسيتين    الرابطة الأولى: فريقان ينجحان في رفع عقوبة المنع من الإنتداب    قفزة نوعية في 2024 ..إرتفاع مبيعات السيارات الكهربائية في تونس    وزير الصحة اللبناني يعلن ارتفاع عدد الشهداء نتيجة تفجيرات أجهزة البيجر إلى 37    إنقاذ مركب تعطل قبالة سواحل المنستير وإجلاء 28 مجتازا    توزر: مركز التكوين المهني والنهوض بالعمل المستقل يستقبل 250 متكونا جديد ليرتفع عدد المتكونين إلى 620    رئاسية 2024: أنصار المترشح قيس سعيد ينظمون جولة بمدينة بوسالم للتعريف ببرنامجه الانتخابي    المركز الثقافي الدولي بالحمامات دار المتوسط للثقافة والفنون يحتفي بالذكرى 50 لرحيل مؤسس دار سيباستيان    مسرحيتا "شكون" لنادرة التومي ومحمد شوقي بلخوجة و "مقاطع" لفتحي العكاري ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي    كرة اليد: اليوم انطلاق بطولة أفريقيا للأمم أصاغر في تونس    قابس: تراجع ملحوظ لصابة الرمان    المنستير : إنتقاما منه..سممته وقتلته ثم أضرمت في جسده النار    رحلة 404 المرشح الرسمي في سباق الأوسكار    '' الستاغ '' تعلن عن انطلاق المسح 9 لتقييم الاستهلاك لدى الأسر التونسية    جلسة تفاوضية مرتقبة بين جامعة الثانوي ووزارة التربية بداية الشهر المقبل    مقابلة ودية: الملعب التونسي يفوز على شبيبة منوبة    أمل جربة: ثنائي يجدد .. ورباعي يعزز المجموعة    عاجل - تونس : 4 رجات أرضية في أقل من 24 ساعة    سلمى بكار رئيسة للمكتب التنفيذي الجديد للنقابة المستقلة للمخرجين المنتجين    بطاقة ايداع بالسجن ضد المعتدي على طبيب في قسم الاستعجالي بالمنستير    المنتخب التونسي يقفز 5 مراكز في التصنيف الشهري للفيفا    حادث مرور قاتل بالطريق السريعة الجنوبية..وهذه التفاصيل..    خبر غير سار للطلبة الذين يريدون الدراسة في كندا    التمديد في آجال استقبال الأفلام المرشحة للمشاركة في مسابقة الأفلام الطويلة والقصيرة    بنزرت:حجز حوالي 82,5طن من الخضر وإعادة ضخها بالمسالك القانونية    الخارجية الفلسطينية تطالب بتنفيذ فوري لمشروع قرار معتمد من الأمم المتحدة..    عاجل : القبض على ''تيكتوكوز"'' عربية مشهورة    طقس اليوم: أمطار غزيرة وتساقط البرد بأماكن محدودة في هذه المناطق    بانتظار كلمة نصرالله اليوم.. حزب الله يتوعد إسرائيل ب"عقاب خاص على هجمات البيجر"    من 23 إلى 29 سبتمبر 2024 بمدينة الثقافة ...«الخروج الى المسرح ...الخروج إلى الحياة»    "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"...الفة يوسف    الشّركة التّونسيّة للصّناعات الصّيدليّة تستأنف أنشطة تصنيع محاليل الحقن    التهاب القصيبات الحاد للأطفال ...وزارة الصحة تقدت توصيات للأولياء    مصر.. التيجانية تعلق على اتهام أشهر شيوخها بالتحرش وتتبرأ منه    ضربة مزدوجة للأمراض.. طبيب ينصح بخلط عشبتين    من تجاربهم: الشاعر التونسي عبدالله بنعمر...يتنازل عن مداخيل ديوانه لصالح التلاميذ المحتاجين !    مصر.. الإفتاء تحسم جدل قراءة القرآن بالآلات الموسيقية والترنم به    تونس تشهد خسوفا جزئيا للقمر ليل الأربعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ويبقى الأسير المناضل جمال أبو جمل شامخاً : راسم عبيدات
نشر في الفجر نيوز يوم 24 - 05 - 2010

ستة عشر عاماً متواصلة لم تفض من عضضه شيئاً ،ستة عشر عاماً مرتحلا من سجن لآخر يحمل صليب ألآمه،لم يفقد البوصلة أبداً،وبوصلته تؤشر دائماً أن لا عودة إلا لجبل المكبر مسقط رأسه،هذا الجبل الذي طالما حلم ويحلم بأن يخرج من معتقله وقد تحرر وعادت له عروبته،تلك العروبة التي تسلب يوماً بعد آخر،فأبو جمل يصاب بالذهول عندما يعلم بأن السرطان الاستيطاني لم يعد يبعد سوى عشرات الأمتار عن بيته،وأن الاستيطان يتمدد في المكبر تمدد النار في الهشيم،وكذلك أسماء الشوارع في المكبر تعبرنت،ومساحتها الجغرافية تضيق شيئاً فشيئاً بفعل المصادرات والاستيلاء على الأرض.
أبو جمل الذي دخل السجن في ريعان شبابه،ربما بحسه العفوي أدرك أن أوسلو لم يحقق للشعب الفلسطيني من أهدافه شيئاً،وأن الحديث عن السلام ليس إلا وهماً وكلاماً لذر الرماد في العيون،بل كان له الكثير من التداعيات والمخاطر السلبية والآثار المدمرة على الشعب والأرض،فكما قسم الشعب قسم الأرض.
المهم أبو جمل لا يجيد فذلكات وشعارات وكلام المنظرين من أن أوسلو سيجلب اللبن والعسل الى الشعب الفلسطيني،فهو يشاهد ما يجري على الأرض،حيث الشعب الفلسطيني يجترح شكلاً جديداً من أشكال المقاومة،إنها حرب السكاكين،أو ما يسمى بالسلاح الأبيض،والعديد من العمليات بها تنفذ على مقربة من الجبل،ويقوم بها أناس من القرى والبلدات المجاورة للمكبر،وحس أبو جمل الوطني العفوي دفعه لأن يكون واحداً من مناضلي حرب السكاكين،فيقوم هو وعدد من أبناء بلدته بطعن مستوطن على قمة الجبل ويصيبونه بجراح خطيرة،وليحكم بعدها أبو جمل بالسجن لمدة اثنان وعشرين عاماً،وفي السجن ومن بعد فترة التحقيق أختار أبو جمل أن يكون مناضلاً في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،وربما خياره نابع من انتماءه الطبقي،فهو من عائلة فقيرة وبسيطة،وقد تكون الأحاديث والمشاهدات التي كان يكونها أو يسمع بها عن الجبهة الشعبية من كونها تنظيم منحاز للفقراء والمعدمين من أبناء شعبنا،وما تتمتع به من سمعة نضالية بين جماهير شعبنا،هي التي دفعت به لمثل هذا الخيار.
وفي المعتقل أدرك أبو جمل أن عليه تعويد نفسه على حياة جديدة،ليس بفعل ظروف وشروط وقوانين إدارة السجون،بل علية أن يتعود على الحياة التنظيمية والحزبية،فلا يكفي أن يقول بأنني عضو في الجبهة الشعبية،بل عليه أن يستوفي شروط واستحقاقات العضوية،وفي البداية عليه أن يتعلم القراءة والكتابة،ومن حسن حظ الرفيق أبو جمل أنه وجد من يقوم بهذه المهمة رفاق خلص ميامين من أمثال ياسين أبو خضير وسامر أبو سير وجهاد العبيدي،والذين كانوا من الرفاق الذين يتحلون بسعة الصدر والصبر،حيث كانوا يفردون له مساحة واسعة من وقتهم للتعليم،وبالمقابل أبو جمل كان لدية الرغبة والإصرار على التعلم،وبالفعل بتوفر الإرادة والمتابعة من قبل الرفاق حقق أبو جمل إنجازات عظيمة في هذا الجانب،فهو لم يكتفي بمعرفة القراءة والكتابة ،بل أخذ أكثر من دورة في الخط وحتى في تجويد القرآن من أجل أن يكون قادر على متابعة ومعرفة ما يدور من حوله،ومن أجل أن يكون جاهزاً لما يطلب منه من تكليفات وكتابة تقارير تنظيمية وإعتقالية،وأبو جمل بحكم طبيعته وسجاياه فهو إنسان بسيط وهادئ إلى أبعد الحدود،فيه الكثير من براءة الأطفال،ولذا تراه يتمتع بمحبة كل أبناء الحركة الاعتقالية،وهو لا ينسج ويقيم علاقاته الشخصية على أسس عشائرية وتنظيمية،بل على أساس أن المعتقلين هم عائلة واحدة بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية،وهو تعلم من التجارب بأن الاحتلال في عمليات القمع والتفتيش لغرف المعتقلين وأقسام السجن المختلفة لا يفرق بين معتقل وآخر في القمع والاستهداف،بل يستهدف الجميع بغض النظر عن لونهم السياسي،وأبو جمل حتى في أحلك الظروف الاعتقالية من قمع وتنقلات،تراه محافظ على رباطة جأشه.
وفي المعتقل كان يدمن على شيئين،وربما بحكم طبيعته البدوية الإدمان على شرب الشاي،وكتابة الرسائل للرفاق والمعتقلين والأهل والأصدقاء،رغم أن الرفيق ياسين أبو خضير كان يرد له على الرسائل التي يرسلها له بأقذع الأوصاف والألفاظ،ولكن كما يقول المثل"ضرب الحبيب إزبيب" فما أن يبلغوه الأسرى بأن له رسالة من الرفيق ياسين أبو خضير حتى تنفرج أساريره وتراه يزهو ويختال في الساحة كالطاووس.وطبعاً ياسين لم يقصد أبدا ًتحقير الرفيق أبو جمل أو تقزيمه،بل على سبيل المزاح والمداعبة وما يكنه له من محبة وتقدير.
وأبو جمل كانت تربطه علاقة قوية بابن مجموعته شادي هلسه الذي تحرر من الأسر في إفراجات أوسلو/عام 1999،بعد أن قضى ستة أعوام من فترة حكمه البالغة ستة عشر عاماً،وتحرره ترك فراغاً في حياة الرفيق أبو جمل لفترة من الزمن حيث كان دائما الحديث عنه وتذكره،وبعد فترة من الزمن تعود على تحرر رفيقه،ولكن عاد شريط الذكريات مجدداً وليشتعل بقوة عندما سمع عن أن رفيقه شادي أعيد اعتقاله مجدداً في أوائل عام 2009،فهو لم يترك شاردة أو واردة أو معتقل جديد إلا وسأله عن ابن مجموعته،هل شاهده أو رآه أو سمع عن ترحيله إلى سجن ما ؟وكان أبو جمل في حالة ترقب مستمر لأبن مجموعته ويسأل الأهل أثناء الزيارة إن كان لديهم أخبار حوله،ولم يفقد أبو جمل الأمل عندما سمع عن ترحيل ابن مجموعته إلى سجن أخر أثناء فترة توقيفه،فكان لديه أمل كبير بعد الحكم أن يرحل إلى سجن آخر،قد يكون السجن الذي هو موجود فيه،ولكن حتى هذه الأمنية ولحظة الفرح تلك،لم يشأ أن يحققها الاحتلال لأبو جمل الذي كان يجري الطقوس والإستعدادت لاستقبال رفيقه،وإعطاءه "برشه" سريره لكي ينام عليه،طبعاً إذا سمح له أبو جمل أن ينام فسوف يتسامران حتى الصباح،وسيطرح أبو جمل عليه الكثير من الأسئلة الشخصية والاجتماعية وأحوال البلد والوضع السياسي وقصور مؤسسات الأسرى والسلطة والأحزاب بحق الأسرى وعائلاتهم وغيرها الكثير من الأسئلة التي يمتلك شادي ردود عليها أو التي لا يمتلك ردود أو إجابات عليها أو لا يريد الإجابة عليها.
ونقطة هنا أود أن أسجلها فالرفيق أبو جمل الذي إلتقيته في عام 2002 في سجني شطة ونفحة،لم تكن بادية عليه حالة عدم الثقة واليأس والإحباط التي ألقى أوسلو بظلالها بشكل كبير على أبناء الحركة الأسيرة،ولم يكن يستعجل الخروج من المعتقل،ولكن في عام 2005 عندما سجنت مرة أخرى سألت الرفاق والأخوة عنه،فقالوا أن أبو جمل أصبح يستعجل الخروج من السجن،وهو لم يعد يشرب الشاي بالسكر،واستعجاله الخروج من السجن له علاقة بالشروط والظروف والحياة الاعتقالية والمعتقلين أنفسهم.
ورغم أن الأسير أبو جمل كان يمني النفس بأن يكحل عينية بمشاهدة والده قبل أن يرحل،لكن لم تتحقق له هذه الأمنية،فحاله كحال الكثير من الأسرى الذين رحل أحبتهم من والدين وأخوة وأخوات وأقرباء وهم في السجن،ولعل عزاءه هنا كان في رفيقه المثل والقدوة ياسين أبو خضير الذي رحل والديه وهو في السجن.
ورغم عتمة وظلمة السجن وقساوة وعسف السجان،فأنا واثق بأن الرفيق الطيب المخلص المنتمي جمال أبو جمل سيبقى كما عهدته شامخاً كشموخ بلدته جبل المكبر،تلك البلدة التي أنجبته وأنجبت المئات من المناضلين،الذين ما زال العشرات منهم يقبعون في سجون الاحتلال من ضمنهم اثنان من عمداء الحركة الأسيرة هم المناضلين بلال أبو حسين وابراهيم مشعل والقائمة لم تنتهي بعد، بل مستمرة باستمرار الاحتلال ووجوده.
القدسفلسطين
24/5/2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.