باريس - بينما يشرف عام 2007 على نهايته، تخوض عناصر الشرطة الفرنسية سباقا ضد الساعة من أجل بلوغ الرقم الذي حدده الرئيس نيكولا ساركوزي لترحيل المهاجرين غير الشرعيين هادي يحمد
(27 ألفا)، وهو الرقم الذي فشل وزير الهجرة والهوية الوطنية برويس هورتفي حتى الآن في بلوغه وأصبح يحتاج إلى ترحيل حوالي خمسة آلاف مهاجر آخر من أجل الوصول إليه. ومثلما تخوض عناصر الشرطة عمليات واسعة في المحطات الكبرى وفي الأحياء ذات الغالبية المهاجرة من أجل العثور على مهاجرين غير شرعيين جدد، يمكن أن يضافوا إلى قائمة المرحلين، فإن المهاجرين غير الشرعيين أنفسهم يتبعون في هذه الفترة "تكتيكات جديدة". ويقول "جونتان برول" أحد أعضاء منظمة "ائتلاف المهاجرين غير الشرعيين" التي تدافع عن حقوق هؤلاء المهاجرين وتسعى لتسوية وضعياتهم شرعيا: "من حين إلى آخر تقوم عناصر الشرطة بمحاصرة مقهى عمومي في المنطقة الحادية عشرة أو الثامنة عشرة حيث الكثافة المهاجرة، من أجل البحث عن المهاجرين دون وثائق، غير أننا لاحظنا أن بعض المقاهي التي تعرف بأنها قبلة المهاجرين قد فقدت العديد من زبائنها في الفترة الأخيرة". وفي تصريح خاص لإسلام أون لاين.نت يضيف "برول" مازحا: "ربما تحول هؤلاء إلى مقاهي الدائرة السادسة أو السادسة عشرة الفاخرة، حيث لا تجري عمليات تمشيط مثل تلك التي تقع في أحيائهم". وبحسب آخر رقم أعلنه اليوم الأحد وزير الهجرة لوسائل الإعلام، فإن الشرطة الفرنسية تمكنت إلى الآن من ترحيل 21 ألف مهاجر غير شرعي، أي أنه لا يزال ينقص خمسة آلاف مهاجر غير شرعي للوصول إلى الرقم 27 الذي حدده ساركوزي. وأرجع الوزير هورتفي أسباب عدم بلوغ الرقم المطلوب للآن إلى "الوضعية الخاصة للبلغار والرومانيين الذين أصبح من الصعب ترحيلهم من فرنسا مع انضمام كل من رومانيا وبلغاريا للاتحاد الأوروبي هذا العام، حيث إن الأرقام التي وضعت في برنامج الترحيل كانت تتضمن مواطني هاتين الدولتين". وتتركز عمليات "التمشيط" في المناطق ذات الغالبية المهاجرة، وهو ما يدفع العديد من المهاجرين غير الشرعيين إلى هجران أحيائهم في أوقات الذروة، حيث كشف العديد منهم لإسلام أون لاين.نت "أنهم يشربون القهوة ويتجولون في المناطق الفاخرة البعيدة عن أية شبهة". الحل في "الكابا" اليهودية! ويقول بلقاسم (32 سنة): "أتجنب أخذ المترو والجلوس في مقاهي الدائرة الثامنة عشرة، وأقضي يومي في أحيان كثيرة في الشانزيليزيه (أشهر وأرقى أحياء باريس) وفي الدائرة السادسة حيث المقاهي الفاخرة، غير أن هذا الأمر يتطلب الكثير من النقود". ويروي بلقاسم قصة مهاجر جزائري غير شرعي لم يتردد في لبس قبعة "الكابا اليهودية" في كل تنقلاته في العاصمة، حيث عادة ما تمنع هذه القبعة اليهودية أي شرطي من الاقتراب منه من أجل التثبت من أوراق هويته.
وصار معروفا في أوساط المهاجرين أن عملية "صيد" المهاجرين غير الشرعيين تتركز على أصحاب البشرة السوداء والبشرة السمراء، أي المهاجرين من أصول إفريقية أو عربية، حيث يعلق جونتان برول: "نحن إزاء سياسة شرطة تمييزية واضحة لا تسمي الأشياء بمسمياتها، فعندما يقال المهاجرون غير الشرعيين فإن الأمر يقصد منه العرب والأفارقة". من جهتها أصدرت "رابطة حقوق الإنسان" في فرنسا مؤخرًا العديد من البيانات تتحدث عن "المعاملة غير الإنسانية" التي يلقاها عدة مهاجرين غير شرعيين وقع القبض عليهم وترحيلهم بالقوة إلى بلدانهم الأصلية، حيث كثيرا ما تعمد قوات شرطة الحدود الفرنسية أمام رفض عدد من هؤلاء المهاجرين الصعود على متن الطائرات إلى "ربطهم من أيديهم وأرجلهم" وإجبارهم بالقوة على الصعود إلى الطائرات، بحسب الرابطة. تكتيك العصيان العديد من المنظمات المهتمة بحقوق المهاجرين أصبحت تلجأ إلى تكتيك جديد من أجل منع الشرطة من إجبار المهاجرين غير الشرعيين على الصعود إلى الطائرات، حيث تقوم هذه المنظمات بتحريض بقية الركاب من الفرنسيين والأجانب على نفس الطائرة من أجل القيام ب "عصيان ركوب" على طائرة يوجد فيها مهاجر غير شرعي مربوط، وهو الأمر الذي دفع الشرطة الفرنسية في الفترة الأخيرة، إزاء هذا التكتيك الجديد، إلى تخصيص طائرة خاصة صغيرة الحجم لترحيل المهاجرين الذين يوصفون بأنهم مشاكسون على متنها. وإضافة إلى تكتيك "عصيان الركاب" فإن السلطات الأمنية الفرنسية تواجه عقبة أخرى في مشروعها لبلوغ رقم "27 ألفا"، وتتمثل في امتناع العديد من القنصليات والسفارات عن إعطاء تراخيص مرور لمواطنيها المعنيين بالترحيل، وذلك بأسباب عديدة، حيث تفرض الإجراءات القانونية على السلطات الفرنسية الحصول على ترخيص مرور من الدولة الأصل من أجل إتمام عملية الترحيل.
ومن الواضح بالنسبة للعديد من المراقبين أن سياسة "الترحيل" باعتماد جدول أرقام من هذا القبيل (27 ألفا كل سنة) عديمة الجدوى، حيث إن أرقام الوافدين غير الشرعيين إلى فرنسا ما فتئت تزداد كل عام. وبحسب بعض المصادر الرسمية فإن مائة ألف مهاجر غير شرعي يدخلون إلى فرنسا سنويا.
وربما لهذا السبب بالذات، بحسب المصادر نفسها، فإن القيادة السياسية بفرنسا وعلى رأسها الرئيس "نيكولا ساركوزي" واعية بعدم جدوى مثل هذه الإجراءات على المدى البعيد، وتسعى عوضا عنه إلى إقرار مشروعه لتشكيل اتحاد أورومتوسطي الذي يبشر به لدى بلدان جنوب المتوسط بهدف تشكيل "حائط صد أول يواجه تسونامي المهاجرين غير الشرعيين".