المغرب:فتح رسمٌ كاريكاتوري نُشر على صدر الصفحة الأولى لصحيفة مغربية، ملفّات كان بعضها مسكُوتا عنه أو يلامس عادة بحذَر لِصفَة المُقدّس الذي يحمله أو يرتبط به، وبعضها الآخر كان محلّ ثرثرة في المقاهي أو في اللِّقاءات غير الرسمية ولا يُقترب منه، رسميا أو بالعلن.وكثير هو المسكُوت عنه، الذي أطلقه من عقاله رسم الكاريكاتور في صحيفة "أخبار اليوم" المستقلّة حول زفاف الأمير مولاي إسماعيل ابن عمّ الملك محمد السادس، على شابة ألمانية الجنسية، حيث يُظهر الرسم الأمير محمولا على العمّارية (وعاء خشبي يحمل عليه العريس ويطوف به أصدقاؤه) بخلفية العَلَم المغربي. ومن بين هذا المسكُوت عنه، تعاطي الصحافة مع الأسرة الملكِية ونشاطها والخلافات بين أفرادها والعلاقة بين السّلطة والصحافة والخطوط الحمراء للصحافة ومن يضعها، ومكانة القانون في تحديد هذه العلاقة ومُمارستها، وكذلك العلاقات بين أبناء المِهنة الواحدة، صحف وصحفيين، على ضوء ردود الفِعل وكيفية تعاطي الصحف المغربية لقضية الكاريكاتور، وقبلها قضية تناوُل صُحف مستقلّة لوعكَة صحية أصابت الملك نهاية أغسطس الماضي، وما ترتب عنها من متابعة لهذه الصّحف قضائِيا بتُهمة "نشر خبَر زائف بسوء نيّة". قراءة الوزارة.. وقراءات أخرى مساء يوم الاثنين 28 سبتمبر 2009، اقتحمت قوات الشرطة بزَي مدني مقرّ جريدة "أخبار اليوم"، التي تصدر منذ ستة أشهر تقريبا، في الوقت الذي كانت فيه الأجهزة الأمنية تجمَع من الأكشاك أعداد الجريدة الصّادرة يوم السبت 26 ويوم الاثنين 28 سبتمبر، ومنعت وصول عدد يوم الثلاثاء 29 سبتمبر الذي كان جاهِزا إلى الأكشاك، وأصدرت وزارة الداخلية بلاغا أعلنت فيه قرار مُتابعة الجريدة وحجْزها مع اتِّخاذ التّدابير الملائِمة بخصوص وسائلها ومقرّاتها، بسبب نشرها في عددها المؤرخ ب 26 و27 سبتمبر رسما كاريكاتوريا له علاقة باحتِفال الأسرة الملَكية بحدَث له طابَع خاصّ جدا. الوزارة اعتَبرت، حسبما ورد في بلاغها، أن الرّسم المذكور يشكِّل "مسّاً صارخاً بالإحتِرام الواجِب لأحد أفراد الأسرة الملَكية" و"مسّا بالعَلَم الوطني"، باللّجوء إلى استعماله بنيّة مُغرضة، ممّا يشكِّل مسّا برمْزٍ من رُموز الأمّة من خلال إهانة شِعار المملكة، وذهبت بعيدا بقراءة نجْمة لم تكتمِل، بأنها نجْمة داوود، مما يُثير "تساؤُلات حول تلميحات أصحابه، ويكشِف عن توجّهات مكشوفة لمُعاداة السامية"، وأضافت أن الأمير مولاي إسماعيل قرّر اللجوء إلى العدالة في إطار هذه القضية. القراءة الأولية للرّسم الكاريكاتوري، الذي قدّمته وزارة الداخلية، تبعته قراءات أخرى، منها النافي لهذه القراءة، وعبّرت عنها هيئة تحرير الصحيفة والنّقابة الوطنية للصحافة المغربية والهيئات الحقوقية، ومنها المؤيِّد لها، ويزيد عليها التي قدّمتها صُحف مغربية وأحزاب سياسية تهاطَلت بياناتها مندِّدة ومستنكِرة. كاريكاتور الرسام خالد كدرا الذي أثار الجدل وأطلق الملاحقات القانونية كاريكاتور الرسام خالد كدرا الذي أثار الجدل وأطلق الملاحقات القانونية تهمة خطيرة وإشكاليات قانونية توفيق بوعشرين، مدير أخبار اليوم قال ل swissinfo.ch "إن النّجمة غير المُكتملة، هي النجمة الخُماسية التي تتوسّط العلَم المغربي"، ونفى النيّة والفعل للإساءة بالعَلم المغربي أو الأمير، وأبدى دهشته لإيحاء وزارة الداخلية بأن الرّسم يحمل تلميحات أو توجّهات مكشوفة لمُعاداة السامية، ويقترح بوعشرين أن المسألة لها علاقة بمبدإ الرسم الكاريكاتوري للأسرة الملكِية، وهي إحدى الخطوط الحمراء التي كانت تضعها السّلطات في عهْد الملك الحسن الثاني، والتي ساد اعتِقادٌ بتراجُعها، ما دام الرّسم الكاريكاتوري يقدّم الملك أو أفراد أسرته باحترام. ويُشير بوعشرين إلى رسم كاريكاتوري للملك محمد السادس، نشرته يومية "لوموند" الفرنسية في أحد أعدادها وسُمح للعدَد بالتوزيع بالمغرب، كما أن رسومات نشرتها صُحف مغربية في أوقات سابقة، ولم تُتابَع أو تُمنع. على الصعيد القانوني، تمّ وعلى مدى ثلاثة أيام، استنطاق توفيق بوعشرين ومعه خالد كدرا، رسام الكاريكاتور، وقُدّم ملفَّيهما للنيابة العامة، التي أمرت بمُتابعتهما قضائِيا بتُهمة "إهانة العَلَم الوطني"، بالنسبة لكدرا و"المشاركة بالإهانة" بالنِّسبة لبوعشرين، والتي تصِل عقوبة كل منهما إلى السجن لمدة خمس سنوات، طِبقا للقانون الجِنائي المغربي. وإذا كانت النيابة العامة حدّدت الإتِّهام بالعَلَم الوطني، فإن العديد من الجوانب القانونية أثيرت في هذه القضية. فقانون الصحافة المغربي يمنح لوزير الداخلية صلاحية مُصادَرة عدد من الصحيفة، وليس منعها أو إغلاقها، وهي صلاحية منحها القانون للوزير الأول، الذي قال إنه "ليس لديه عِلْم بالموضوع ولا الملفّ ولم يطّلع على الرّسم". وأثار بوعشرين أمام النيابة العامة مسألة إغلاق مقر الصحيفة ومنع العاملين من دخولها والحجْز على حساباتها البنكية. وحسب بوعشرين، فإن النيابة العامة أبلغته بعدَم وجُود قرار قضائي بذلك، وحين تجمّع الصحفيون المغاربة، بدعوة من النقابة أمام مقر الصحيفة، تمسّك رجال الأمن بموقفهم، الذي ينفِّذونه بناءً على تعليمات شفوية، وعليه، قرّرت إدارة الصحيفة رفْع دعوى قضائية لإبطال قرار وزارة الداخلية. متابعات قضائية ومحاكمات وقرار إغلاق أخبار اليوم، جاء قبل ساعات من بدء مُحاكمة علي أنوزلا، مدير يومية "الجريدة الأولى" وبُشرى الضوو، المحررة بالصحيفة، على خلفية تقارير نشرتها الصحيفة حول "فيروس روتا" الذي قال الطبيب الخاص للملك إن العاهل المغربي أصيب به نهاية شهر أغسطس الماضي، وبعد ذلك، محاكمة إدريس شحتان، مدير أسبوعية "المشعل" ومصطفى حيران ورشيد محاميد، المحرِّريْن بالأسبوعية على نفس الخلفية. هذه المُتابعات القضائية والمُحاكمات على خلفيات تتعلّق بالملك وأفراد العائلة المالِكة، تطرح سؤالا حقيقيا حول الخطوط الحمراء التي تُرسم لتعاطي الصحف المغربية مع الشأن الملَكي عموما، ويتحدّث الصحفيون الذين خضعوا للتّحقيق على خلفِية مرض الملك، أن سؤالا وجّه لهم عن سبب عدم اكتفائِهم بنشر البلاغ الذي صدر عن القصر الملَكي. وبالنسبة لصحيفة "أخبار اليوم"، يذهب مُراقبون إلى أن المسألة ليست في الكاريكاتور، وإن كان مُزعجا، بقدر ما أن المسألة أساسا في مقال الكاتِب والصحفي خالد الجامعي، الذي نشرته الصحيفة يوم الاثنين 28 سبتمبر 2009، ويتناول فيه الصورة الرسمية التي وزّعها القصر الملكي لحفْل زفاف الأمير مولاي إسماعيل وتضُمّ أفراد العائلة الملَكية، باستثناء الأمير مولاي هشام، الشقيق الأكبر للأمير مولاي إسماعيل. وقرأ الجامعي من خلال الصورة موقِفا سلبِيا للقصر الملَكي من الأمير هشام، الذي ابتُعد عن القصر الملَكي بُعيْد تولِّي الملك محمد السادس العرش في صيف عام 1999، وشغلت القطيعة القائمة بينهما فيما سبَق الصّحف والأوساط السياسية. الخطوط الحمراء.. مسألة نسبية وقال الجامعي، إن صورة العائلة الملَكية "أقصَت الأمير مولاي هشام، ألغته، اعتبرته غريبا" و"أن هذا التمييز الفوتوغرافي، يُسيء إلى الملَكِية، لأنه يفتح الباب أمام كل الإشاعات وكل التأويلات، ويدفع أكثر من واحد إلى الإعتقاد بأن العائلة الحاكِمة تُعاني من نقْص حقيقي في الوِحدة، بل وفي التّضامن بين أفرادها، وهذا مِن شأنه أن يضُرّ باستقرار السلطة، إن لم يكُن مُضِرّا بالنِّظام كله"، حسبما جاء في مقاله. ويذهب الجامعي إلى أن الذين قرّروا اختيار الصور وطريقة عرضِها "ارتكبوا أخطاءً على المستوى الأخلاقي والسياسي وبرْهَنوا عن جهْل مُطبَق بالمُجتمع المغربي"، لأن الإختيار "سيُكرّس الفِكرة القائِلة بأن الخلافات بين الملك وابن عمّه مُتواصلة، بل وتتعمّق أكثر فأكثر منذ عقد من الزّمن، وهذا يُسيء مرّة أخرى إلى العائلة الملَكية وتماسُكها"، ويضيف "في السياسة، كما هو الحال في أمور أخرى كثيرة، الغائب هو الأكثر حضورا، وكل الذين سيُشاهدون الصور، سيتساءلون عن غياب مولاي هشام، هذا الغِياب الذي حوّله في نهاية المطاف إلى نجْم". والخطوط الحمراء، سواء فيما يتعلّق بالعائلة الملكية أو القضايا الأخرى، تبقى مسألة نِسبية لا تخضع للقانون، بل لتقديرات أشخاص، ومرحلة من المقرّر أن يضبطها مشروع قانون لتنظيم الصحافة، لم تخرجه حكومة عباس الفاسي من الأدراج منذ تعيينها خريف 2007، رغم تداوُله لأكثر من أربع سنوات في أروقة الحكومة والبرلمان وفي جلسات تفاوض بين وزارة الإتصال والنقابة الوطنية للصحافة المغربية أو الفدرالية المغربية لناشِري الصحف. من جهة أخرى، أثارت قضية صحيفة "أخبار اليوم" ومعها صحيفتَيْ "الجريدة الأولى" و"المشعل"، مسألة العلاقة القائمة بين أبناء المِهنة وما يشُوبها أحيانا من توتّر، ومشروع القانون الذي لا زال مُتدثِّرا في الرّفوف، لا يشكِّل ضابِطا للعلاقة بين الصحافة والسلطة فحسب، بل يدفع أيضا باتِّجاه تنظيم العلاقة داخل مِهنة الصحافة، وهي العلاقة التي تتّسم في بعض الأحيان بفِقدان روح التّضامن المِهني والإحترام بين الزّملاء، وبحروب لا تتّسم بالمُنافسة الشريفة، ويصِل فيها تبادُل الهجومات والإتهامات إلى درجة الرّدح والقَذف والشّتم. تحوّلات وتطوّرات ما يجري في المغرب، صُحفِيا، وهو جزء ممّا تعرفه البلاد من تحوّلات عميقة ومتوالية، قد يكون طبيعيا لأي "جديد" إنساني ومُجتمعي، وهو "جديد" عادة ما يقترن بمخاض وصِراع ومواجهات بين المنادين به والداعين إليه باعتباره ضرورة تنسجِم مع ما يعرفه العالَم من تحوّلات وتطوّرات، ومحاربيه الذين يشعرون بأنه يُشكل تهدِيدا للإستقرار والقِيم. محمود معروف – الرباط – swissinfo.ch