علجية عيش الفجرنيوز:إن فحص الظروف المهنية للعمال الجزائريين يؤكد أن ظاهرة النزاع العمالي في المجتمعات العربية عموما و المجتمع الجزائري على الخصوص كان موجودا بحيث عرفت الجزائر موجات كبيرة من الإضرابات كأحد أشكال النزاع العمالي و حاولت السلطة أن تستمد شرعيتها من أنها تريد خلق مجتمع جزائري متماسك و خصوصا الطبقة العمالية لكنها في كل مرة تفشل محاولاتها لأسباب عديدة ما يزال مسلسل الإضرابات متواصلا من قبل النقابات و العمال في الجزائر و منها النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية التي دخلت في إضراب مفتوح يوم الثلاثاء 24 فيفري الجاري تنديدا لتماطل الوزارة في الإفراج عن القانون الأساسي الخاص بممارسي الصحة العمومية و كانت نقابة الأخصائيين النفسانيين قد هددت بالاحتجاج بداية من شهر "مارس" المقبل، تأتي هذه الحركات الاحتجاجية بعدما دخل عمال مؤسسة "جيكو" للبناء بولاية قسنطينة في حركات احتجاجية أمام مقر نقابة سيدي السعيد تنديدا بالوضع الذي آلوا إليه جراء غلق مؤسستهم و تأخر دفع رواتبهم الشهرية، ثم لحقهم تلاميذ الثانويات الذين خرجوا نهاية الأسبوع في حركات احتجاجية تنديا لقرار بن بوزيد حول إنهاء البرنامج السنوي قبل نهاية ماي المقبل استعداد لامتحان شهادة البكالوريا.. وترى النقابات أن العودة إلى الاحتجاج أملتها الظروف كون المشاكل ما زالت كما هي ووعود الوزارة لم تتحقق و لم تكن في المستوى خاصة ما تعلق بالتعويضات، و ما زاد من غضب النقابة هو تعسف الوزارة في اقتطاع رواتب الأطباء و ألأخصائيين بسبب إضراب ال 05 أيام و التي دخلت حيز التنفيذ في جانفي المنصرم، في حين ما تزال نقابة الأخصائيتين تنتظر رد الوزارة الوصية على طلباتها قبل نهاية فيفري و المتعلقة بالقانون الأساسي، مهددة الدخول في حركة احتجاجية بداية من شهر مارس المقبل إذا ما لم تستجب الوزارة إلى مقترحاتها ، إلا أن هذه ألأخيرة لزمت الصمت و اللامبالاة و لم تكشف عن نتائج اللقاء الذي ضمها بمديرية الوظيف العمومي في 25 جانفي 2009 ، و هذا حسب ما ذكرته مصادر لأن الاتفاق المبرم مع النقابة كان بين الوزير السابق "عمار تو" بأسبوع قبل رحيله من على رأس القطاع، و يقضي هذا ألخير بمنح وثيقة القانون الخاص للنقابة المعنية من أجل مراجعته و إثرائه و إجراء عليه تعديلات قبل إرسالها إلى مديرية الوظيف العمومي، علما أن هذه النقابات حسب مصادر لن تدخل منفردة وحدها في الحركة الاحتجاجية بل بالتنسيق مع خمس نقابات أخرى هي: الأخصائيين النفسانيين بوزارة التربية، الشبيبة و الرياضة، التضامن الوطني، الصحة و التكوين المهني أي بمجموع يقارب 4000 أخصائي نفساني.. كانت اغلب مطالب العمال و الإطارات ترتكز على الزيادة في الأجور و المنح العائلية، العلاوات، إعادة التصنيف، خلف فرص التكوين و الترقية و إصدار نصوص قانونية تحميهم و تكفل لهم حقوقهم... إحصاء 16 ألف إضرابا من الفترة ما بعد الاستقلال إلى ما قبل العشرية السوداء في كتاب يحمل عنوان " دراسات في الموارد البشرية ( إدارة الأفراد ) صدرت طبعته الأولى في 2008 عن دار النشر قرطبة تحت إشراف الدكتور مراد زعيمي و هو عبارة عن دروس و محاضرات خاصة بطلبة الماجستير قسم علم الاجتماع جامعة باجي مختار عنابة و دراسات ميدانية أجراها باحثون في مجال الحركات و النقابات العمالية، ألفه مجموعة من الباحثين في مختلف المجالات، كشفت دراسة ميدانية أعدها الدكتور لحرش موسى حول النقابات العمالية في الجزائر، أن جل القطاعات الاقتصادية في الجزائر عرفت نوعا من الاضطرابات و موجات عنيفة من الحركات الاحتجاجية في الفترة ما بعد الاستقلال إلى ما قبل العشرية السوداء، وصلت حد تسجيل و إحصاء أكثر من 16 ألف إضرابا دخلت فيه الجزائر حالة انسداد انتهت بالطلاق بين الشعب الجزائري و السلطة، و كانت السلطة حاولت في كثير من ألأحيان أن تستمد شرعيتها من أن تخلق مجتمعا جزائريا متماسكا و خصوصا الطبقة العاملة ، إلا أنها فشلت في ذلك خاصة بعدما أعطى ميثاق طرابلس الصادر في جوان 1962 الحق للطبقات العمالية الإضراب و الدفاع عن حقوقهم، لكن يبقى السؤال يدور حول فائدة ألإضراب أو عدم فائدته أمام الانتكاسات السلبية التي تنجر عنها مثلما حدث مع الأطباء المضربين و قرار الوزارة الوصية بخصم مرتباتهم الشهرية. و يذكر الباحث موسى لحرش إضراب مؤسسات تنتمي إلى قطاعات نشاط مختلفة و هي التبغ، البناء، المواد الكيماوية، الصناعة الغذائية و الموانئ في عام 1963 أي مع بداية الاستقلال جلبت انتباه الحكومة، ورغم تدخل هذه ألأخيرة إلا أن سلسلة الإضرابات و الحركات الاحتجاجية بقيت متواصلة حيث تم تسجيل في نفس العام حوالي 100 إضرابا و قع خارج محطة الجزائر الوسطى، و كانت جل القطاعات التي مسها الإضراب تابعة للقطاع الخاص التي يسيطر عليها الأجانب كانوا يشغلون عددا كبيرا من الجزائريين ، كون الحكومة آنذاك كانت حديثة النشأة بعد خروجها من محنة الاستعمار، و في بداية استقرارها و من الصعب جدا خلق مناصب شغل للعمال المطرودين أو العاطلين عن العمل، إلا أنها عرفت انخفاضا نسبيا ما بين 1964 و 1966 حيث لم تسجل الجزائر سوى 35 إضرابا لمدة تراوحت ما بين ثلاثة أيام و أسبوع ، و ذلك بمجموع يقارب 12 ألف عاملا مع ضياع حوالي 180 ألف ساعة، وزعت هذه الحركات كالتالي: 4085 إضرابا ما بين 1969 و 1980 ومع نهاية الستينيات عرفت نسبة الإضرابات تزايدا ملحوظا من سنة لأخرى و بقيت في ارتفاع متزايد إلى غاية 1980 أي لمدة 11 سنة و الجزائر تعيش حالة من الاضطرابات و صلت الحركة العمالية إلى أدنى مستوى من الفوضى و التذبذب، إذ بلغ عدد الإضرابات إلى ما يزيد عن 4050 إضرابا، منهم 1256 في القطاع العام، و 2416 تابعين للقطاع الخاص..، ففي سنة 1969 سجلت الجزائر 72 إضرابا، 99 في سنة 1970 ، 152 في بداية السبعينيات، 168 إضرابا في 1973، و بقيت تزيد نسبتها من سنة لأخرى إلى أن وصلت إلى حوالي 922 إضرابا في 1980 أي ما يعادل نسبة زيادة قدرها حوالي 15 بالمائة.. 4000 إضرابا ما بين 81 و 1985 وفي الخمس سنوات الأولى من بداية الثمانينيات أحصت الجزائر حوالي 4000 إضرابا ، كانت مطالب العمال قد أخدت لها منعرجا آخر بحيث أصبحوا يطالبون بحق الممارسة النقابية و قضايا أخرى لها علاقة بالإدارة، و يوضح الباحث لحرش موسى في الصفحة 240 من الكتاب أن التباعد في عدد الإضرابات بين القطاعين قد رجحته عوامل كثيرة، أبرزها الحصار المضروب على قطاع الدولة و محاولة القضاء عليه و اتهام القائمين به بالمغالاة، و يستدل الباحث بإضراب عمال الحجار أس أن أس في سنة 1974 أين وجهت السلطة رسالة إلى العمال تعلمهم بخصم ثلاثة أيام من مرتبهم الشهري... 505 إضراب في سنة 1986 وحدها وسجلت الجزائر في خلال سنة واحدة من جانفي إلى أوت 1986 حوالي 505 إضرابا منه 247 في القطاع العام و 258 في القطاع الخاص و حسب الباحث أن هذه إضرابات ترجع إلى عوامل عديدة منها تقلص سوق الشغل كما أن الأزمة الاقتصادية العالمية جعلت السلطة تفكر في فعاليات الإنتاج ضمن إستراتيجية جديدة تعتمد على عقلانية السوق الحر أي عقلنة الاقتصاد.. 7293 إضرابا ما بين 88 و 1990 وتكشف الدراسة أن ارتفاع الإضراب من نهاية الثمانينيات و بداية التسعينيات ارتفع هو الآخر بنسبة 80 بالمائة مقارنة مع الإضرابات السابقة أي الفترة ما بين نهاية الستينيات و بداية الثمانينيات و بنسبة 85 بالمائة مقارنة بمجموع عدد الإضرابات خلال الخمس سنوات الأولى من الثمانينيات، و هذا يعني أن الجزائر دخلت مرحلة الديمقراطية و دخول الجزائر التعددية الحزبية و النقابية أين أصبح من حق العمال المطالبة بحقوقهم المشروعة وفق ما يمليه القانون و أصبح الإضراب حقا شرعيا بموجب المادة 54 من الدستور الجديد المعدل في فيفري 1989 و التي تنص على أن الحق في الإضراب معترف به و يمارس في إطار القانون ووضع له الإطار القانوني في قانون 1990 .. إضراب ال 57 كان حدثا بارزا في مسيرة الثورة التحريرية و التفاف الشعب حول جبهة التحرير الوطني وبجمع عدد هذه الإضرابات نجد أن الفترة التي عاشتها الجزائر الممتدة ما بعد الاستقلال و ما قبل العشرية السوداء عرفت بفترة التذبذب و اللااستقرار سجلت فيها ما يزيد عن 16 ألف إضراب، و هي تدعو المتأمل أن يقف وقفة تأمل عن الخسائر التي تكبلتها الدولة الجزائرية و الجهات التي تعمدت ضرب اقتصادها الوطني ، كما أن هذه الإضرابات تختلف عن إضراب 1957 الذي أعدته الهيئة التنفيذية للمجلس الوطني للثورة الجزائرية و الذي عرف بإضراب الثمانية أيام ، بحيث يعتبر حدثا بارزا في مسيرة الثورة التحريرية و تحقيق الانتصارات العسكرية على الجيوش الفرنسية، و كشف الجرائم الفرنسية أمام الرأي العام و التمهيد لاعتراف الأممالمتحدة و المجتمع الدولي بالقضية الجزائرية و حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره و الاستقلال، و لم تكتف الثورة التحريرية بالتعبئة الداخلية للشعب، بل تعدت حدود الجزائر بدعوتها الجزائريين خارج الوطن في فرنسا، تونس و المغرب للمشاركة في إنجاح الإضراب و استجاب الشعب الجزائري من أجل إرساء مبادئ الثورة و قيمها النوفمبرية.. وتجدر الإشارة ان الكتاب يقع في 333 صفحة عالج فيه مؤلفوه جملة من القضايا التي لها علاقة بأحد السمات البارزة و المميزة للعصر الحالي و هي قيام المجتمعات على المؤسسات ذات الطابع البيروقراطي المعقد في جميع مجالات الحياة سيما و هذه المؤسسات تزيد يوما بعد يوم اتساعا وتعقيدا و تستدعي استخدام إعدادا متزايدة من الموارد المالية و البشرية، و من القضايا التي عالجها الباحثون : سوسيولوجية المؤسسة للدكتور بوخريسة بوبكر تطرق فيها إلى المجتمع و الظاهرة التنظيمية و نظرياتها ، طرق التسيير، و فلسفة الحكمة في التسيير المؤسساتي، إستراتيجية التنظيم الإداري للدكتور علي سموك ، السلوك ألإنساني في التنظيم عالجه الدكتور معمر داود الذي تطرق إلى محددات السلوك الإنساني أسسه و ضوابطه و معنى الروح المعنوية و الدوافع و الحوافز، ثم يأتي موضوع القيادة الإدارية في تنظيم العمل للدكتور سعدون يوسف و موضوع النقابات العمالية لصاحب البحث الدكتور لحرش موسى الذي سلط الضوء على واقع الحركة العمالية و موقف الدولة و النقابات من المشكلات المطروحة، و قد وضع المشرف على هذا الكتاب الدكتور مراد زعيمي منهجية للبحث أوضح فيها معاني المفردات و المصطلحات و تصميم نموذجي لكل بحث و جملة من المعطيات الميدانية و الدراسات السابقة..