حزب الله يؤكد استشهاد القيادي إبراهيم عقيل في غارة صهيونية    أخبار النادي الصّفاقسي ... الانتصار مع الاقناع    تونس : دفعة معنوية كبيرة للنجم الساحلي قبل مواجهة الإتحاد المنستيري    حكايات من الزمن الجميل .. اسماعيل ياسين... الضاحك الحزين(2 /2).. النهاية المأسوية !    في أجواء عراقية حميمة: تكريم لطفي بوشناق في اليوم الثقافي العراقي بالالكسو بتونس    عادات وتقاليد: مزارات أولياء الله الصالحين...«الزردة»... مناسبة احتفالية... بطقوس دينية    حادثة رفع علم تركيا ... رفض الإفراج عن الموقوفين    موعد انطلاق المحطات الشمسية    عاجل/ الاطاحة بمنفذ عملية السطو على فرع بنكي بالوردية..    بنزرت ماطر: العثور على جثّة طفل داخل حفرة    في قضيّة تدليس التزكيات...إحالة العياشي زمّال على المجلس الجناحي بالقيروان    يُستهدفون الواحد تلو الآخر...من «يبيع» قادة المقاومة ل «الصهاينة»؟    أم العرايس ... قصّة الفلاح الذي يبيع «الفصّة» لينجز مسرحا    شهداء وجرحى في عدوان صهيوني على لبنان .. بيروت... «غزّة جديدة»!    لقاء الترجي الرياضي وديكيداها الصومالي: وزارة الداخلية تصدر هذا البلاغ    وضعية التزويد بمادة البيض وتأمين حاجيات السوق محور جلسة عمل وزارية    مسالك توزيع المواد الغذائية وموضوع الاعلاف وقطاع الفلاحة محاور لقاء سعيد بالمدوري    بداية من 24 سبتمبر: إعادة فتح موقع التسجيل عن بعد لأقسام السنة التحضيرية    المدافع اسكندر العبيدي يعزز صفوف اتحاد بنقردان    طقس الليلة.. سحب كثيفة بعدد من المناطق    مركز النهوض بالصادرات ينظم النسخة الثانية من لقاءات صباحيات التصدير في الأقاليم من 27 سبتمبر الى 27 ديسمبر 2024    أولمبياد باريس 2024.. نتائج إيجابية لخمسة رياضيين في اختبارات المنشطات    مريم الدباغ: هذا علاش اخترت زوجي التونسي    بالفيديو: مصطفى الدلّاجي ''هذا علاش نحب قيس سعيد''    تأجيل إضراب أعوان الديوان الوطني للبريد الذي كان مقررا لثلاثة أيام بداية من الاثنين القادم    جامعة رفع الأثقال: هروب رباعين تونسيين الى الأراضي الأوروبية خلال منافسات المنافسات    بني خلاد: مرض يتسبّب في نفوق الأرانب    '' براكاج '' لسيارة تاكسي في الزهروني: الاطاحة بمنفذي العملية..    إيقاف شخصين بهذه الجهة بتهمة الاتجار بالقطع الأثرية..    غرفة الدواجن: السوق سجلت انفراجا في إمدادات اللحوم البيضاء والبيض في اليومين الاخيرين    الأولمبي الباجي: 10 لاعبين في طريقهم لتعزيز صفوف الفريق    تأجيل الجلسة العامة الانتخابية لجامعة كرة السلة إلى موفى أكتوبر القادم    زغوان: برمجة زراعة 1000 هكتار من الخضروات الشتوية و600 هكتار من الخضروات الآخر فصلية    منحة قدرها 350 دينار لهؤولاء: الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يكشف ويوضح..    تنبيه/ اضطراب في توزيع مياه الشرب بهذه المناطق..    رئاسيات 2024 : تسجيل30 نشاطا في إطار الحملة الإنتخابية و 6 مخالفات لمترشح وحيد    فتح باب الترشح لجائزة الألكسو للإبداع والإبتكار التقني للباحثين الشبان في الوطن العربي    تونس: حجز بضائع مهرّبة فاقت قيمتها أكثر من مليار    سقوط بالون محمل بالقمامة أطلقته كوريا الشمالية بمجمع حكومي في سيئول    قفصة: إنطلاق الحملة الدعائية للمرشح قيس سعيد عبر الإتصال المباشر مع المواطنين    يهدد علم الفلك.. تسرب راديوي غير مسبوق من أقمار "ستارلينك"    "دريم سيتي" يحل ضيفا على مهرجان الخريف بباريس بداية من اليوم    رم ع الصيدلية المركزية: "توفير الأدوية بنسبة 100% أمر صعب"..    سعر الذهب يتجه نحو مستويات قياسية..هل يستمر الإرتفاع في الأشهر القادمة ؟    السيرة الذاتية للرئيس المدير العام الجديد لمؤسسة التلفزة التونسية شكري بن نصير    علماء يُطورون جهازا لعلاج مرض الزهايمر    الحماية المدنية تسجيل 368 تدخلّ وعدد366 مصاب    عاجل/ عملية طعن في مدينة روتردام..وهذه حصيلة الضحايا..    تونس تشتري 225 ألف طن من القمح في مناقصة دولية    ثامر حسني يفتتح مطعمه الجديد...هذا عنوانه    ارتفاع عائدات صادرات المنتجات الفلاحية البيولوجية ب9.7 بالمائة    تحذير طبي: جدري القردة خارج نطاق السيطرة في إفريقيا    مصادر أمريكية: إسرائيل خططت على مدى 15 عاما لعملية تفجير أجهزة ال"بيجر"    كظم الغيظ عبادة عظيمة...ادفع بالتي هي أحسن... !    والدك هو الأفضل    هام/ المتحور الجديد لكورونا: د. دغفوس يوضّح ويكشف    "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"...الفة يوسف    مصر.. التيجانية تعلق على اتهام أشهر شيوخها بالتحرش وتتبرأ منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصفور من حبر: درس القذارة وعرس النظافة
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

أنصح القارئ والقارئة اللّذين يتقززان أن يقرآ هذا العصفور قبل الأكل.
2
خبر عاديّ نقلته جريدة «الشروق» عن جريدة «كينيا تايمز». وبهذا فهو ليس اختلاق، ولا يثير مشكلة ديبلوماسية بين تونس والجارة الافريقية كينيا.
3
يحكي الخبر حكاية طريفة عجيبة واقعية ملموسة لا شيء فيها للخيال ولا مجال للافتراء على بطل هذا الخبر.
غير ان الخبر، رغم اندراجه في غرائب الواقع، يثير أكثر من تأويل لقدرته على الارتفاع والتحليق في سماء أوسع.
4
قد يكون القراء اطلعوا على الخبر وضحكوا أو تقزّزوا أو استلطفوا الأبطال الثانويين أو رثوا لحال البطل الرئيس في هذا الخبر، غير ان مادة الخبر ثرية بالمعاني وذات بساطة دسمة تجعلها مادة جيدة للتأمل والتدبر.
5
وحتى لا أتدخل في سردها، أحب أن أنقلها بحذافيرها كما وردت في جريدة «الشروق» الصادرة يوم الأحد 7 مارس 2004 صفحة 38 تحت عنوان بارز جاء كما يلي: «حمام اجباري لكيني لم يستحم منذ عشرة أعوام».
والتفاصيل هي:
«أجبر قرويون كينيون مزارعا لم يستحمّ منذ عشرة أعوام على أخذ حمام اجباري بعد أن جرّدوه من ملابسه بعد أن فاض بهم الكيل من رائحته الكريهة. وقالت صحيفة «كينيا تايمز» إن أربعة من جيران الرجل الذي يبلغ من العمر 52 عاما ويعيش في منطقة ريفية بغرب كينيا انقضوا عليه وقيدوه بحبل قبل أن يغسلوه علانية. واستغرقت العملية التي تضمنت حكّ جسم الرجل بالرمل لإزالة طبقة سميكة من الأدران أربع ساعات».
وإذا كان لابد من معرفة أثر هذه العملية الحمامية على الرجل فإننا نقرأ السطرين الأخيرين:
«وقالت الصحيفة إن الرجل الأعزب تعهد بالاستحمام يوميا وقال إنه يأمل في العثور على عروس» إلى هنا ينتهي الخبر.
6
يصلح هذا الخبر، حكاية يستخدمها المعلمون في المدارس الابتدائية، ويكون مناسبة للحديث عن النظافة، وتقتضي البيداغوجيا والدراما معا أن يكون البطل رمزا لافتا للانتباه.
7
يصلح هذا البطل لأن يفوز بأسطر في كتاب «غينيس» للأرقام القياسية لسنة 2004 هذه باعتباره أوسخ إنسان في العالم.
8
وقد يستنتج أحدهم أن الاحساس بالنظافة ينتج الرغبة في الزواج.
وقد يعلّق أحدهم:
لكن الزواج يتطلّب نظافة القلوب التي تتعارض مع نظافة الجيوب ويحتاج إلى «أوساخ دار الدنيا» وهي بالتعبير التونسي تعني «المال».
وقد يعقّب ثان:
قد يكون حنينه للعروس بدافع البحث عن منظفة أو خادمة تشرف على استحمامه يوميا لأن له تقاليد راسخة في الوسخ استمرت عقدا من السنوات ويصعب عليه أن يحوّل هذا الحادث العقدي الاجباري إلى حدث يومي اختياري.
وقد يعقّب ثالث:
ما بالطبع لا يتغير، فلا يتصوّر المرء الذي اكتشف النظافة فجأة أن يتحول إلى مهووس بها بين عشية وضحاها. وقد يكون الحمام الاجباري فرصة لاكتشاف جسده، فأراد أن يكرمه بعروس تولد فيه الرغبة في العري اليومي بعد أن عرفته محاسن النظافة على مساوئ العزوبية.
وقد يتصدى مناوئ لفكرة الزواج أصلا وفصلا:
إذا رغب في الزواج فإنه يريد أن يتعمق في النجاسة لأن ذهن الأعزب خال ونظيف من وساوس المشاكل اليومية والمزابل العائلية.
9
وقد يقول قارئ متفلسف ومشكاك:
قصة هذا الرجل رمزية رغم واقعيتها وصدقيتها، والتفافها في شكل خبر صحفي طريف فهي تحكي عن رجل وسخ صار نظيفا وأحب أن يزداد نظافة بالدخول إلى حمام الزوجية. هذا ما يقول سطح القصة اما أعماقها فهي تريد أن تصرف الأنظار عن القذارات التي نحياها في عالمنا الآن، أبطالها ناس نظيفون أنيقون معطرون، يركبون سيارات أنيقة ويسكنون في فيلات شاهقة، ويحبون أولادهم ويعتنون بنظافة كلابهم ومستعدون لتدمير العالم تدميرا شاملا ولا يتقززون من رؤية بيوت تهدم، وأراض تسلب وثروات تنهب حتى يحافظوا على نظافة عالمهم الأنيق الذي لن يصبح أكثر أناقة إلا إذا أسسوا على الأرض العذاب الذي يتطلب عرسا لا ثمن له غير خراب الشعوب ولو كان ثمن ذلك هو الهجوم على شعوب وسخة حتى يلتبس الأمر على الناس فلا يعودون يفرقون بين الوسخ والنظافة.
10
وقد يقول آخر مغرم بتحويل كل شيء إلى سياسة:
إن الحمام الاجباري هو الديمقراطية على طريقة البلدان الاستعمارية واما القرويون الذين «فاض بهم الكيل من رائحته الكريهة» فهم عناصر الإدارة الاستعمارية، ورائحته الكريهة ليست غير سياسته الداخلية. أما «جرّدوه من ملابسه» و»انقضّوا عليه وقيدوه بحبل قبل أن يغسلوه علانية» فالمقصود به التدخل العسكري في تغيير الأنظمة ذات الروائح الكريهة على حدّ الأنف الاستعماري.
أما عملية حك جسم المزارع بالرمل «لإزالة طبقة سميكة من الأدران وقد استغرقت أربع ساعات» فالمقصود بها هي الطبقة الحاكمة القائمة على غير مبادئ الحرية التي لا تراها إلا العيون الاستعمارية.
أما الحكّ بالرمل فتأويله ان «الكيّ هو آخر الطب» حتى يدرك أمثال هذا المزارع الكيني أنه سوف يشفى وتنفتح مسامّه على الفرحة بالحياة بعد أن يكتشف أنه صار إنسانا سويا يرغب في العثور على العروس التي هي، ولا أحد غير هي، وما هي إلا الديمقراطية على الطريقة الليبرالية التي تطمح إليها نفسه، دون أن يكون واعيا برغبته فيها فهي نائمة في جسده الوسخ الذي لابد أن يتطهّر بعروس الديمقراطية وهو يشيّع جثمان عزوبيته القذر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.