تشهد معاهد تدريس الموسيقى في تونس اقبالا متزايدا من الطلبة الذين يرغبون في صقل مواهبهم ولكن بعض هؤلاء الطلبة لعبت الأقدار دورها في تواجدهم في مثل هذه الأمكنة فلا موهبة ولا دراية بأبجديات الموسيقى ومع ذلك فقد تمكنوا من شقّ طريقهم. «الشروق» تحدثت الى طلبة بعض معاهد الموسيقى فكيف ردّوا على مثل هذا المأخذ؟ قد يصادف أن تستمع الى مساهمات (عزف، غناء..) بعض طلبة معاهد الموسيقى في بعض المسابقات الفنية التي تنظمها بعض المبيتات الجامعية فتقف على محدودية أصواتهم وقد تخلص الى الاقرار بأنه ليس كلّ من درس الموسيقى فنان وفي هذا الاتجاه يقول فيصل بالحاج وهو شاب تونسي يدرس بإحدى المعاهد الخاصة لتدريس الموسيقى وقد بدا مهتما بمظهره مثل اهتمامه بآلته الموسيقىة (اليتار) التي كان يحتضنها احتضان الأم لرضيعها : «بعضهم يدرس الموسيقى ويمارسها بصفة ارتجالية دون احترام للنوتات ودون أن يمتلك الإحساس الفني، في اعتقادي وجب التعامل مع الموسيقى والفن بصفة عامة على أنه ليس وسيلة لكسب المال ومصدرا للعيش. الموسيقى أنبل من ذلك بكثير هي تعبير عن واقع بكثير من الاحساس والشعور المرهف بل هي وكما يقول فرويد «تلبية لرغبة». وحتى لو سلّمنا بأن الذين يأتون لمثل هذه المعاهد الموسيقية لهم حسّ فني فإن هذا الاحساس وحده لا يكفي هكذا تقرّ الطالبة وسام القروي وهي تدرس بالسنة الأولى بالمعهد العالي للموسيقى : «الحسّ الفني والموهبة لا يكفيان لذلك وجب أن تتوفر في دارس الموسيقى رغبة وإرادة صادقة لمزيد العمل من أجل صقل هذه الموهبة، لقد أتيت الى هذا المعهد بإرادتي ورغبتي مستندة على موهبتي في العزف على احدى الآلات الغربية متيقنة أنني مطالبة بالعمل الجاد من أجل صقل هذه الموهبة وفرض الذات في هذا الوسط الفني» وتضيف : «إن تعلّقي بالعزف والموسيقى وحده يكفي حتى وإنني في بعض الأحيان تجدني مضطرّة لأن أفكّر فيها كمصدر مستقبلي للرزق، وهذا التعلق بالموسيقى لا أقول أنه غيّر حياتي ولكن أضفى عليها فيضا من المعاني وهذا هو الأهم». مقاييس محدّدة نادرة طالبة بالمعهد الأعلى للموسيقى (مرحلة ثالثة) تتحدث عن دراستها هذا الاختصاص فتقول : «لا أعتقد أنه يوجد من يدرس الموسيقى بالمعهد ولا يمتلك حسّا موسيقيا أو موهبة وهذه الموهبة قد لا تظهر للسامع لكن المختصين المشرفين على المناظرات (مناظرات قبول الطلبة) يستطيعون تحديدها وكشفها ومن ثمة تصبح المسؤولية ملقاة على عاتق مثل هذا الطالب من أجل صقل موهبته.. أنا مثلا أغرمت منذ ان كنت أدرس بالنسة الخامسة من التعليم الثانوي بالعزف على «الكلارينات» (آلة نفخ) وقد حرصت على مزيد التخصص فيها». ومثل هذا الولع والتربية في وسط فني ربما دفعا الطالب بشير الفيلالي وهو شاب يبلغ من العمر 19 سنة الى القدوم الى المعهد الأعلى للموسيقى يقول : «منذ الصغر، أحببت الفن والغناء وأشارك في أنشطة ثقافية فنية مختلفة (مهرجان منزل تميم للهواة مثلا) وهي عوامل أسهمت في قدومي للمعهد الأعلى للموسيقى.. ولكن هذا لا ينفي أن بعض الذين يدرسون بالمعهد أتوا دون رغبة منهم بحرص من أبويهم ربما لذلك فإن بعضهم لم يستطع التأقلم مع هذا المحيط الجديد. لكن بعضهم تجد طاقته الصوتية محدودة ومع ذلك استطاع بالعمل الجاد أن ينجح في شق طريقه الفني دون عثرات فالنجاح هنا لا يرتبط ضرورة بالموهبة».