الخبير حسين الرحيلي، الكاتب العام لمركز ابن رشد للدراسات والبحوث بدا مهووسا بوضع تونس الاجتماعي والاقتصادي حيث فتح النار على سياسة الاقتراض وعلى «ميكانيزمات» البنك العالمي وسياسة صندوق النقد الدولي.
بدت الصور التي عرضها الشريط الوثائقي، الذي تصدّر الندوة التي عقدتها في إطار التحضيرات للمنتدى الاجتماعي العالمي بدت لافتة... فهي تحمل رسائل متناقضة: ففي ما بدا أهل افريقيا (غانا مثالا) غارقين في الفقر والخصاصة، تُنْهب ثرواتهم على مرآى ومسمع من الشعب الذي أقحمته سياسة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي في بوتقة الاقتراض والفقر والرعاية الصحية المفقودة..
صور حملت تناقضات صارخة، بين إقامة المدير الاقليمي للبنك العالمي في غانا، حيث انصهر قصره في غاب جميل لم يغب عنه البذخ ولا مظاهر قصور البارونات الذين يمتصّون أقوات الشعوب من أجل حلّ مشاكل الرأسمالية..
وفي تناغم مع مضمون الشريط الوثائقي، تحدث المهندس حسين الرحيلي، عن كافة مراحل العصف والمعاناة في تونس جرّاء سياسات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي...
الخبير في مجال التنمية المستدامة شدّد على أن سياسة تونس الاقتصادية والاجتماعية، اليوم كما البارحة (عهدي بورقيبة وبن علي) لم تعرف تغييرا جذريا باتجاه تحرير القرار الوطني، مؤكدا على أن الدول تقترض من أجل التنمية وتحريك الاقتصاد وتحريك التشغيل وليس كما تفعل تونس اليوم تقترض من أجل الاستهلاك وسدّ الرمق.السيد حسين الرحيلي انتقد بشدة اتفاقية بلادنا مع صندوق النقد الدولي لجويلية الفارط (في حكم الترويكا) حين قبلت تونس، بعد ان طلبت السلطات المختصة بذلك، قرضا ائتمانيا، يرى أنه عصف بالقرار الوطني واستقلاله...
وانتقد الرحيلي بشدة سياسة التعامل مع ديون تونس السابقة للثورة مشددا على ضرورة تعليق سداد المديونية لثلاث سنوات فقط وسترى فيها تونس، تخرج من عنق الزجاجة.
وقال إن تونس تعاني من تجربة قال عنها كارثية، تتواصل منذ ستين عاما... مشيرا الى أن سياسة الحكومة الحالية لم ترتق الى مستوى تحقيق أهداف الثورة، في التشغيل والتنمية، مبديا استغرابه عبر سؤال: أيعقل ان يُبحث لنا عن حل صلب الاتحاد الأوروبي بخصوص المديونية، وساستنا في تونس لا يهتدون الى ذاك الحل، في إشارة منه الى النائبة الأوروبية التي أطلقت صيحة فزع بخصوص ديون تونس، ومطالبة بأن تفسخ هذه الديون!
وبعد تفسير عبر الأرقام، بيّن الخبير أن الحل في تونس يكمن في الحوار الوطني مطالبا أن تُطرح هذه القضايا الاستراتيجية على مائدة الحوار الوطني من اجل الخروج بحلول مشتركة تنفع البلاد، نافيا ان يكون أي طرف سياسيا كان او اجتماعيا يملك الحقيقة كاملة او الحل الأمثل... وأضاف على تونس اليوم وفي هذه الظرفية الاستثنائية والحرجة التي تمر بها البلاد، ان يتنادى أبناؤها من الكفاءات والسياسيين والمجتمع المدني، من أجل تحديد الأولويات والاحتياجات الحقيقية للبلاد، ثم تأتي الحلول وتصاغ من خلال التحاور بالفكرة.. لا بالعنف.
من جهة أخرى وفي ربط حكم بين الحلول الاقتصادية والاجتماعية والبيئة السياسية التي يمكن ان نوطّن فيها الحلول يقترح السيد حسين الرحيلي الديمقراطية المحلية. واعتبرها هي الحل لمعضلات تونس المستجدة والموروثة منذ ستين عاما... وتقتضي هذه الفكرة انتخاب كل الهيئات والسلطات المحلية والجهوية مع إقرانها بالاقتصاد التضامني، مؤكدا على أنهما عنصران لا ينفصل أحدهما عن الآخر، إن أردنا الحل الجذري لبلادنا...
وأشار في ربط مع سياسات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي الى معاناة الشعوب من هذه السياسات كاشفا ان تلك الوصفات انما هي تزيد في اغراق الشعوب في الفقر وبلدانها في المديونية في حين تحل تلك السياسات مشاكل ومعضلات الرأسمالية مستندا بالارقام والشواهد الى نهب الشركات متعددة الجنسية لخيرات الشعوب، مفسّرا كيف ان اتفاقية «الڤات» GATT زادت في نكبة الدول الفقيرة المستهلكة دون ان تنتج، وكيف تحولت شعوبها الى قوة عاملة مصدّرة لثرواتها الهائلة التي ما تزال تمثل العمود الفقري في قدّ الاقتصاد الرأسمالي الغربي.
وبيّن كيف ان ثروات البلاد تخرج من الوطن ولا تعود عائداتها الا في شكل بؤر فساد... وأعطى مثالا عاما عن افريقيا التي تمثل أنموذجا صارخا في مثل هذه السياسات حين قال: يحدث أنه وفي أوج الغاب يجلس الناس على كراسي «بلاستيك» لا ناقة ولا جمل لهم في صناعتها سوى أنهم سُرقت ثرواتهم الخام وغادرت البلاد.. دون محاسبة..
وبين المحاضر، أن انعقاد المنتدى الاجتماعي العالمي في تونس، يعدّ تكريما للثورة التونسية، حيث لأول مرة يقرّر باعثو هذا المنتدى الاحتجاجي، الذي وجد منذ 1999، لأول مرة يعقد في بلد عربي.
تاريخ صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، كما سياستهما عبر العالم، تبقى شاهدا على الاخلالات والكوارث التي حلّت بالبلدان.وانتقد المحاضر بشدة، عدم إعادة النظر بمنظور وطني يوازن بين الاحتياجات والضرورات من أجل الحدّ في الانفاق العمومي، داعيا الى مراجعة وصفة صندوق النقد والبنك العالمي في مجال تخلّي الدولة عن دورها الاجتماعي، كاشفا النقاب عن أن شركة فسفاط قفصة كانت أول من طبّق عليها برنامج إعادة الهيكلة سنة 1985، الشيء الذي أدّى الى تسريح خمسة آلاف (5000) عامل.. وبالتالي فإن ما آلت إليه الأمور في الحوض المنجمي بعد ثلاثة وعشرين عاما (سنة 2008) يعد مالا طبيعيا ونتيجة منتظرة.
وانتقد الخبير الدولي التونسي سياسات التفويت في المؤسسات الكبرى للدولة مثل مصانع الاسمنت، مشيرا الى ان تونس تعيش الآن مرحلة التضخم وهو نوع من ارتفاع مستمر وعام للأسعار معلنا ان نسبة التضخم في تونس تتجاوز الرقم المعلن رسميا 6٪ ليصل الى رقم بين 10 و11٪ مضيفا ان انهيار العملة من جديد وارد.وقال انه كلما فوّتنا في الموارد الأساسية كلما تقلصت موارد الدولة فضغطت على الأسعار، مشيرا أننا أصبحنا تحت رحمة اللوبيات العالمية التي واذا ما أردنا معالجة حتى الفضلات فإن شركات أجنبية هي التي تقوم بذلك!
وعرّج على العقلية التي عمدت الى ارسائها المؤسسات المالية العالمية التي تسند أساسا المنظومة الرأسمالية، وتتمثل في الفضاءات التجارية الضخمة التي تكيّف المواطن وتحوله الى مستهلك عبر تسهيلات يظنها الناس أنها تعود عليهم ايجابيا...من جهة أخرى انتقد قانون المناولة لسنة 1993.وهو نوع من الانحراف الاقتصادي الذي يمثّل مشكلة وليس حلاّ.
عن الصناديق الاجتماعية تحدّث، وقال إن الانخرام والسياسة الخاطئة سوف تؤدي الى نتائج كارثية معتبرا ان مفاوضات الحكومة الحالية مع صندوق النقد الدولي حول قرض ائتماني ب 1.78 مليار دولار (اي ما يناهز 2.7 مليار دينار) يعني ان كل مواطن تونسي ينتج 10 دنانير منها خمسة دنانير غير موجودة.. وقال إن أسوأ ما يحدث الآن في تونس ان تقترض الدولة لتسديد الأجور (القطاع العام) مشيرا الى أن رواتب الوظيفة العمومية تصل الى 600 مليار.أما عن زيادة المحروقات فبيّن انه لم يكن لها داع، خاصة أن سعرها عبر العالم لم يعرف تحرّكا..
نقاط وأرقام
تحدث السيد حسين الرحيلي عن الأزمة المالية في اليونان كمثال للتضخم المتصاعد وفي هذا الصدد كشف ان أمير قطر اشترى ستّ (6) جزر يونانية بقيمة 8.5 ملايين أورو. ومعلوم ان اليونان يعرف اليوم افلاسا مصرفيا غير مسبوق. قال الخبير الرحيلي إن تونس تعرف لأول مرة زيادة في المحروقات بنسبة 16٪ في ظرف وجيز مثل الذي وقع هذه المرة (بعد 14 جانفي 2011 تحديدا). استنكر السيد حسين الرحيلي الاجراء القاضي باقتطاع نسبة 1٪ من رواتب الموظفين الذين يصل راتبهم الى نسبة معينة، مشيرا الى ان هذا الاجراء الذي سيمكن الدولة من 0.5٪ هو اجراء لا أخلاقي ولا شرعي. كشف السيد الرحيلي عبر الأرقام ان التونسي الذي يستحق صندوق الدعم يتقاسم هذا الامتياز مع السياح وأصحاب المال خاصة في ما يهم مواد مثل السكر والسميد والفرينة. لذلك فإنه من المفروض ان يعاد النظر في صندوق الدعم ليذهب الى من يستحقه. قال ان مديونية البلاد التونسية هي 4 آلاف مليار في السنة. وانه اذا تعلق تونس تسديد الدين لثلاث سنوات فإن ثورة تحصل في عديد المناطق. قال الرحيلي، إنه على كل خمسة (5) تونسيين نجد أربعة منهم في حالة مديونية من أجل شراء مسكن.