خرجت نقابات الأمن عن صمتها، في المدة الأخيرة، وأصبحت جزءا من الحراك الشعبي، الذي يسعى الى تأسيس دولة، الفيصل فيها هو القانون، إلا أن ما يميّز تحرك نقابات الأمن هذه المرة هو رفعها شعار «أمن محايد» المشحون بدلالات لا متناهية. رغم المطالب التي رفعها الأمنيون سواء في لقاء نقاباتهم الذي عقد نهاية الأسبوع الفائت بقصر المؤتمرات بالعاصمة، أو التجمع الضخم الذي نظموه يوم أمس الأول بساحة القصبة، والتي من بينها الترفيع في منحة الخطر، التي لم تتجاوز بعد العشرين دينارا، أو دسترة حقوقهم، و المطالبة بتحصينهم وتأمينهم قانونا وتوفير وسائل العمل، الا أن الشعار الذي جلب انتباه المتابعين والمراقبين هو شعار « أمن محايد» وهو أساس القول بالأمن الجمهوري أحد أهم ركائز الدولة المدنية الديمقراطية التي تضمن فيها حقوق الجميع، والمرجع فيها للقانون دون سواه.
شعار أمن «محايد» يتضمن دلالة البرهنة بالخلف، أي أن حيادية الأمن هو مطلب ومبتغى، ومادام كذلك فهل نحن أمام أمن غير محايد. بالعودة الى تصريحات قيادات نقابية أمنية خلال الصائفة الماضية اتهمت فيها قيادات بوزارة الداخلية بعدم اتخاذ اي اجراءات ضد مجموعات مسلحة تقيم معسكرات تدريب في مناطق بالبلاد التونسية، إضافة الى ما قاله الأستاذ أحمد نجيب الشابي القيادي بالحزب الجمهوري عن أنه «هناك معلومات عن اجتماعات عناصر من حركة النهضة في قاعة العمليات بوزارة الداخلية وهي سابقة لم نعهدها حتى مع أعضاء حزب التجمع المنحل» وأضاف بأن قيادات من حركة النهضة كانت تتدخل في عمل وزير الداخلية السيد علي العريض.
وبالعودة أيضا الى الأحداث التي جرت في العاصمة خاصة تلك التي جدّت بشارع الحبيب بورقيبة يوم 9 من أفريل 2012 ، اذ كانت ميليشيات محسوبة على حركة النهضة تعتدي على المتظاهرين جنبا الى جبن مع أعوان الأمن، وهو أخطر ما يمكن أن يهدد حيادية المؤسسة الأمنية، ويرى المتابعون أيضا أن عدم تحصين عون الأمن بقانون يوفر له الحماية القانونية يتسبب في تعطيله عن آداء دوره، أحد أعوان الامن تدخل لنجدة امرأة بحافلة أراد أحد الشبان سلبها، فألقى عليه القبض بعد أن شل حركته وسلمه الى احدى الدوريات، وعوض احالة السارق من أجل ما صدر عنه تمت إحالة عون الأمن من أجل العنف ووتمت ادانته قضائيا وصدر حكم بسجنه.
كما يرى أعوان الأمن وقيادات نقابية أن وزير الداخلية وعدد من القيادات بالوزارة يمارسون ضغوطا كبيرة على النقابيين لثنيهم عن عزمهم بالدفاع عن مهنتهم وحيادية مرفقهم، وكلما احتجّ أعوان الأمن عن وضعيتهم الا وتم توجيه التهم الى النقابيين بالتسييس، اذ قال السيد علي العريض وزير الداخلية ردا على الوقفة الاحتجاجية التي نظمها الأمنيون أول أمس بالقصبة بأنه لن يتم التفاوض مع بعض النقابات لأنها متورطة في التسييس.
العديد من الأمنيين والقيادات النقابية عندما يطرح عليهم السؤال حول عدم التدخل أثناء بعض الأحداث يقولون إنهم لم يتلقوا أي تعليمات، ويعتبرون أن ذلك الأمر يكبلهم ويمنعهم من آداء واجبهم.
اضافة الى ذلك، فان الامنيين يعتبرون أن الصراعات السياسية الجارية في البلاد تعمد خلالها بعض القيادات الى اقحام المؤسسة الأمنية أو اتهام أعوان الأمن بالتقصير أو الانحياز الى طرف على حساب الآخر ويعتبرون بأن تلك الاتهامات تمس من صورتهم وتهزها أمام الرأي العام، لذلك رفعوا شعار حياد الامن أي ابعاده عن التجاذبات السياسية والصراعات والابقاء عليه كمؤسسة محايدة دورها حفظ الامن وحماية الممتلكات الخاصة والعامة وحماية المواطنين وأمن البلاد، أي أن يكون دور عو الأمن دورا جمهوريا، يتحقق في الجمهورية الديمقراطية، أي أن الامنيين واعون اليوم بأنهم يناضلون من أجل اكتساب حياديتهم عن التوجه السياسي لأي وزير داخلية، لأن مهمة وزير الداخلية هي في نهاية المطاف مهمة سياسية، ويطالب الأمنيون من خلال شعارهم بعدم توظيفهم في تصفية الخصوم السياسيين مثلما كان يقوم به نظام بن علي، أعوان الأمن من خلال نقاباتهم يريدون التخلص فعليا من ارث النظام القديم، وفرض معايير دولية للعمل الأمني الجمهوري المحايد والواقف على نفس المسافة مع كل الفرقاء سواء كانوا في السلطة أو خارجها.