جسر «الكولا» بالعاصمة اللبنانية بيروت كانت نقطة انطلاقتك نحو العاصمة السورية دمشق , التي اخترت أن تدخلها برا من بوابة المصنع الحدودية ... بعد أن بات مطار دمشق الدولي عرضة لهجمات المعارضة المسلحة لغة الجغرافيا التي تؤكد أن نحو 150 كيلومترا فقط تفصل بيروت عن دمشق استعصت عن الترجمة والتجسيد زمنا بعد أن قضيت 6 ساعات كاملة قبل أن تطأ قدماك دمشق الفيحاء
تعافت بيروت من نزلة البرد التي ألمت بها ... مؤقتا على الأقل فيما لا يزال الثلج والبرد الشديد باسطا بياضه على المرتفعات والجبال اللبنانية وكأنها جلباب أبيض استبدل جلباب الأرز الأخضر الذي يظلل هضاب وسهول لبنان من شماله إلى جنوبه.
سلسلة من الجبال البيضاء تبدأ ولا تنتهي تخبرك أنك في قلب جبال لبنان الشامخ وأنك قريب جدا من السماء وبعيد للغاية من الحفر. كثبان من الجليد على أرصفة الطريق وجدران ثلجية على ضفتي ما تبقى من الطريق السريع تشي بأن مسار بيروتدمشق كان مغلقا بفعل البرد الذي أحدث صدى في كل مكان وفي كل مفصل من الحياة الاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية في لبنان إلا في المجال السياسي الذي لا يزال مشتعلا .. وتلك قصة اخرى.
مؤشر الحرارة في التاكسي الدمشقي يسقط من 16 درجة إلى درجتين تحت الصفر ليصبح كل المحيط بالتاكسي أبيض ولتدخل الأخيرة في حرب مع الضباب الذي حال دون الرؤية ... «على الأقل استورد لبنان شيئا من روسيا – حتى وإن كان طبيعيا - بعد أن كان استيراده حصريا من الخليج أو الولاياتالمتحدة أو إيران» يقول أحد الركاب الظريفين.
من عاريا إلى الشويفات, ومن سوفار إلى حامانا ,ومن دهر البيضاء إلى المريجات, ومن البقاع إلى المصنع , محطات وقرى ومدن لبنانية على خط السير البيروتيالدمشقي لم تخرج بدورها عن القاعدة اللبنانية في تخليد سياسييها وتأبين «أعلامها» بالصور وشعارات التأييد .. فمن ميشيل عون رئيس التيار الوطني الحر إلى أمين جميل رئيس حزب الكتائب إلى سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية كانت العبارات السياسية والصور تنضح تنزيها وتنويها للقادة السياسيين وكانت أيضا تكشف ولو من طرف خفي عن الانتماء الطائفي والديني لهذه القرى والمدن.
ينتشر الجيش اللبناني في هذه المناطق بكثافة ذلك أن جزءا كبيرا من الحدود اللبنانية السورية باتت مجالا لتهريب السلاح والمحروقات ولدخول المسلحين للقتال في سوريا ضمن المجموعات المسلحة أو هكذا تقول دمشق وهكذا يصرح مناصروها وداعموها السياسيون في لبنان .
دمشق التي يبدو أنها تخشى من تكرار النموذج التركي شمالا على حدودها الشرقية لا سيما وأن مدنا كبيرة مثل حمص وحماه وحتى دمشق تقع على مرمى حجر من الحدود اللبنانية.
فجأة , تبدأ الهواتف والارقام السورية في استقبال الرسائل النصية القصيرة وفي استقبال المكالمات الهاتفية الآتية من سوريا معلنة بذلك عن بداية اكتساح الشبكة السورية للاتصالات وعن قربك من الجانب السوري للحدود. عجيبة هي الأوضاع في معبر المصنع الحدودي حيث أن التدفق البشري كثيف من الجهتين .
تقف على رأس المعبر فترى أعدادا كبيرة من السوريين بسياراتهم وشاحنتاهم الصغيرة ينتظرون التأشيرة لمغادرة التراب السوري ... بلا ادنى تعليق عن الأوضاع – على الأقل ممن أرادت الشروق التحدث إليهم - أملا في العودة إلى الشام عند استرداد الهدوء أو الوصول إلى تهدئة تحقن الدماء وتعيد ترتيب الأوضاع كما كانت عليه في السابق.
تقف على رأس المعبر فتبصر طوابير طويلة من المواطنين الذين ينتظرون التأشير للدخول إلى الشام مشيرين إلى أنهم لا يفكرون حاليا على الأقل في الخروج من سوريا لا سيما وأن غلاء المعيشة في لبنان والحالة التعيسة التي يعيشها اللاجئون السوريون والفلسطينيون في لبنان لا تشجعهم على الخروج من سوريا وخاصة أيضا أنهم فضلوا تأخير زيارتهم إلى دمشق بسبب حالة الطريق البيروتيالدمشقي الذي كان مقطوعا لأيام عديدة بفعل الثلوج.
لكل طرف سبب ولكل جهة وجهة نظر , تقف سيارة التاكسي في طابور طويل من سيارات الأجرة تنتظر لحظة دخولها إلى التراب السوري .. فيطل عليها أحد المعارضين السوريين أو هكذا يبدو من خطابه قائلا : إلى اين داخلين في الشام لا يوجد لا خبز ولا بنزين ولا غاز ولا كهرباء ... فيرد عليه صاحب السيارة نافثا دخان سيجارته في الهواء : ابتعد في الشام ما بيموت حدا من الجوع ...