ظهرت بعد ثورة 14 جانفي بعض الجمعيات الثقافية المعنية بقضية اللغة العربية ومسألة استمرار الهيمنة المطلقة للغة الأجنبية في مجال تدريس المواد العلمية وفي مختلف فضاءات القطاع الخاص وشبه العمومي. وقد كان لنا هذا الحوار مع الأستاذ الجامعي وعضو اتحاد الكتاب التونسي السيد البشير السالمي بصفته عضو جمعية الدفاع عن اللغة العربية لنرى معه في ما اذا كان للثورة دور ما في تحرير لساننا الوطني والقومي والديني من التضييق عليه وعزله وذلك في اطار اتمام ملف «هل تحرر المثقفون» الذي تعرّضنا له الثلاثاء الماضي.
لماذا هذه الجمعية... ولماذا الآن وبعد الثورة على وجه الخصوص؟
هذه الجمعية جاءت كما يوحي بذلك اسمها وعنوانها دفاعا وحماية وذودا عن لغتنا الأم ولغة شعبنا وقرآننا وكل تراثنا الحضاري وكل إبداعنا الأدبي والعلمي وقد نشرت جريدة «الشروق» مشكورة بيانا مفصّلا بهذا الشأن يوم 19 مارس الماضي وتعرّض فيه رئيس الجمعية الزميل الحنيفي فريضي لوضع اللغة العربية الراهن وما عليه الواجب الوطني على كل غيور على هويته من دور لصيانتها وتعزيز مكانتها، أما لماذا الآن، ولماذا انتظرنا الثورة لنبعث هذه الجمعية؟ فنقول بكل بساطة إن العهد البائد برأسيه البورقيبي والبنعلي كان يرفض تأسيس الأحزاب والجمعيات على أساس ديني أو لغوي، كما هو معلوم، أضف الى ذلك أن العهد البائد كان منخرطا في المنظمة الفرنكفونية وملتزما طوعا أو كرها باستعمال الفرنسية مثل المستعمرات الفرنسية القديمة التي بقيت حتى اليوم تدور في فلك الثقافة اللاتينية المسيحية الماسونية مقابل فتات من الهبات والمساعدات المذلة.
ما هي مبادرات الجمعية الى حد الآن... وهل يمكن الحديث عن نتائج فعلية لها؟
هناك مبادرات فردية ما انفك يقوم بها أعضاء الجمعية حتى قبل تأسيسها رسميا فقد ألّف الدكتور احمد ذياب «معجم تعريب العلوم» وغيره وألف الدكتور محمود الذوادي «اللغة العربية وسيادة الدولة الوطنية» فضلا عما قام به بقية الزملاء في نفس الغرض. وهناك خاصة مبادرات تقام باسم الجمعية مثل تنظيم الاجتماعات في تونس الكبرى وخارجها ومن ذلك تنظيم ندوة في دار الثقافة ابن خلدون المغاربية في ماي الماضي حول غياب الإرادة السياسية في مجال تعريب العلوم وكذلك اجراء مقابلات مع بعض كبار المسؤولين مثل مقابلة ثلة من أعضاء المجلس التأسيسي ووزير الثقافة وغيرهم الى جانب قيام رئيس الجمعية الاستاذ الحنيفي فريضي بحوارات مباشرة في بعض القنوات الاذاعية مثل اذاعة «الزيتونة» والاذاعة الثقافية زيادة عمّا قامت به الجمعية من توجيه عديد البيانات والمراسلات الى جهات مختلفة.
هل لمستم لدى من تم الاتصال بهم استعدادا لإحلال اللغة العربية محلها الطبيعي والمنطقي؟
نظريا لمسنا استعدادا كبيرا ووعودا واعدة في هذا الميدان ولكن عمليا لم يتم حتى مجرد تفعيل قرار التعريب عدد 45 لسنة 1999 الذي نص صراحة على إجبارية استعمال اللغة العربية في جميع الإدارات والمؤسسات والمنشآت وتحجير استعمال اللغة الاجنبية (الفرنسية) والأدهى من ذلك أننا فوجئنا بكل من السيدين حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة والمنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت يعمدان الى استعمال اللغة الفرنسية لدى الزيارة الرسمية التي أدّاها كل منهما الى فرنسا منذ أسابيع قليلة وقد بادرت الجمعية الى شجب هذا التصرّف وأصدرت بيانا شديد اللهجة أدانت فيه إقصاء لغة الشعب والاعتداء عليها متهمة السلطة التنفيذية بتكريس التوجه الفرنكفوني واجترار التبعية اللغوية والثقافية للمستعمر القديم الجديد وقد تولت جريدة «الشروق» مشكورة نشر هذا البيان يوم 28 جويلية الماضي.
هل هناك أطراف أخرى تتجاهل واجب دعم لسان الشعب التونسي ولسان القرآن الكريم وبل لسان كافة الأمة العربية؟
لعل أخطر هذه الأطراف تلك الاطارات وريثة العهد البائد الذي نصّبها على معظم المؤسسات العمومية وغير العمومية وهي في معظمها ذات توجّه وتكوين فرنكفوني تغريبي مازالت تقف حجر عثرة أمام استعمال لغة الضاد وتقاطعها ومما زاد الطين بلّة أن السلطة الحالية برؤوسها الثلاثة تقف مكتوفة الأيدي كأنها متواطئة مع اللوبي الفرنكفوني الماسوني المعادي للهوية العربية الاسلامية.
ما هو موقف مكونات المجتمع المدني من الدور الذي تضطلع به جمعية الدفاع عن اللغة العربية؟
نقول دون مبالغة إن معظم الأحزاب والجمعيات لم تحرّرها الثورة ثقافيا وفكريا ولغويا ولا تولي قضية اللغة الوطنية في خطاباتها أي اهتمام بل إنها تلوذ بالصمت المخجل كلّما تعرضت لغتنا ا لعربية الى الاهانة والاقصاء في عقر دارها، فهي مثلا لا تنبس ببنت شفة أمام تجاهل رئيس الحكومة المؤقتة ورئيس الدولة وقبلهما الباجي قايد السبسي للغة العربية أثناء زياراتهم الرسمية الى أمريكا وفرنسا والأسوأ من ذلك أن مدينة العلوم بالعاصمة شهدت مؤخرا تظاهرة كبيرة باسم ما يسمى «المنتدى التونسي الفرنسي» نظمتها أساسا السفارة الفرنسية بتونس والمعهد الفرنسي بتونس والمعهد الفرنسي بباريس وجمعية ما يسمّى «فرنسا متطوّعون» وتضمّ خليطا من الجالية الفرنسية في تونس ومجموعة من التونسيات والتونسيين المتفرنسين وذلك بحضور عدد من الجمعيات التونسية التي تدور في فلك التوجّه الفرنكفوني وتتمتع بمساعداته المادية وبيت القصيد أن المنظّمين الفرنسيين شدّدوا على واجب إتقان التونسيين للغة موليار واعتبروا أن «حلّ مشكل البطالة في تونس مرهون بإتقان اللغة الفرنسية بل ذهبوا الى أبعد من ذلك وطالبوا بتدريس الفرنسية من السنة الأولى من التعليم الأساسي».
وأشهد أنني كنت الوحيد الذي حضر دون دعوة واعترضت على تدخل الفرنسيين في نظامنا التربوي الوطني وعلى المغالطة الكبرى في أن مشكل البطالة يمكني أن يحلّ بإتقان اللغة الفرنسية دون غيرها ولم يساندني في هذا التدخل إلا الأستاذ بالجامعة التونسية محمد ضيف اللّه باسمه الشخصي لا كممثل لأي حزب أو جمعية.
هل تقدمت جمعيتكم باقتراحات عملية للمعنيين بصنع القرار في الدولة؟
فعلا قدمنا لأولي الأمر في عدة مواقع تقريرا مفصّلا عن وضع اللغة العربية وما يعترضها من تحديات وحمّلناهم مسؤولية النهوض بلغة البلاد وحمايتها من الانتهاكات وطرحنا بعض الحلول منها خاصة: تفعيل القرار عدد 45 المؤرخ في 29 أكتوبر 1999 والقاضي بإجبارية استعمال اللغة العربية في جميع الادارات والمؤسسات والمنشآت وتحجير استعمال اللغة الأجنبية (الفرنسية في ما بينها وفي مراسلاتها مع المواطنين).
توحيد لغة تدريس العلوم وخاصة في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي وجعل العربية هي اللسان الوحيد لتلقين المواد العلمية في هاتين المرحلتين المتكاملتين والقطع مع الازدواجية اللغوية البغيضة والمربكة فيهما.
إحداث مجلس أعلى للغة العربية ليعدّ خطة علمية مضبوطة ومحدّدة الآجال لتعميم استعمال لغتنا الوطنية في جميع المجالات دون استثناء واتخاذ كل التدابير والاجراءات والآليات لهذا الغرض علما أن الجزائر كانت قد أحدثت هذا المجلس منذ سنة 1996 وقدم خدمات جليلة للغة العربية ومنها نجاحه في رسم خطة تعريب التعليم الأساسي والثانوي وقد تمّ تطبيق الخطة منذ عشر سنوات ويعكف المجلس حاليا على تعريب منظومة التعليم العالي.
وضع حدّ للهيمنة المطلقة للغة الفرنسية في القطاع الخاص وشبه العمومي والشروع حالا في تطبيق الدستور الذي ينصّ على أن العربية هي اللغة الرسمية للشعب التونسي دون غيرها. مراجعة انخراط الدولة التونسية في المنظمة الفرنكفونية بما يضمن فكّ التبعية اللغوية والثقافية المزمنة للمستعمر الفرنسي القديم الجديد انسجاما مع الشرعية الدستورية ومع أهداف ثورة الشعب. إلزام وسائل الاعلام السمعية والبصرية العمومية منها والخاصة باحترام سلامة اللغة العربية وتحجير الاستمرار في الخلط اللغوي الهجين.