قد لا نجد علاقة بين الجفاف في روسيا والحرب في سوريا وارتفاع أسعار المحروقات في العالم مع ما يمكن أن تتخذه الحكومة التونسية من إجراءات تتعلق بمراجعة أسعار الخبز والعجين في تونس لكن الأرقام تقول عكس ذلك. تحتاج تونس سنويا الى 10 ملايين قنطار من القمح لتوفير حاجيات شعبها من الغذاء وتصرف حوالي ال450 مليون دولار أي ما يعادل 600 مليون دينار تونسي لشراء هذه الكمية الهائلة من الحبوب المعدة للغذاء البشري.
وحتى وإن وفرت الدولة هذا المبلغ الهام من العملة الصعبة فهي مطالبة بعد ذلك بالتدخل لتعديل أسعار الخبز والعجين وتصرف لهذا الأمر ما يقارب مليار دينار تونسي أي 4.4 ٪ من الميزانية العامة للبلاد للتحكم في القدرة الشرائية وتمكين المواطنين من اقتناء حاجياتهم الغذائية بأسعار معقولة وهو ما يسمى بدعم المواد الغذائية الأساسية.
وفي المحصلة فإن 30 ٪ من حاجياتنا الغذائية المتعلقة بالعجين نوردها من الخارج وإن كان لتاريخ غير بعيد لا يمثل هذا العبء خطرا على المؤشرات الاقتصادية للبلاد التونسية فإن القادم أعظم باعتبار تداعي الأسباب التي كانت تساهم بشكل كبير في تقليص حجم وارداتنا من الحبوب وعلى سبيل المثال كانت الجمهورية العربية السورية تمد بلادنا مجانا بأكثر من 4 ملايين قنطار من القمح سنويا أي ما يعادل نصف حاجياتنا.
في ذات الوقت كانت الجمهورية العربية السورية تبيعنا القمح بأسعار تفاضلية لا تتعدى في أغلب الأحيان كلفة النقل البحري فقط. ونظرا للظروف الصعبة التي تمر بها سوريا والموقف السياسي التونسي الرسمي من الأزمة السورية كان من الطبيعي أن يتوقف هذا الدعم الغذائي العربي العربي زد على ذلك ارتفاع كلفة انتاج الحبوب في العالم وخاصة في الدول الأكثر انتاجا لهذه المادة كروسيا والولايات المتحدة والصين واستراليا نتيجة ارتفاع أسعار البترول والمحروقات بشكل عام لنفهم الارتفاع المشط في ثمن طن القمح في الأسواق العالمية ومن ثمة انعكاساته السلبية على بلد صغير مثل تونس التي وفي غياب الدعم السوري أصبحت تورد حاجياتها من القمح اللين والصلب من فرنسا أساسا وأوكرانيا في مرتبة ثانية. من «مونوبول» الدولة إلى «مونوبول» الارستوقراط...
لكن كيف لبلد كان يعرف بمطمور روما أن يصل الى هذه الوضعية؟
على مدى ثلاثة آلاف سنة من التاريخ الثقافي لتونس لم يتمتع الشعب التونسي بأرضه ولم تكن له سلطة فعلية عليها وحتى مع الدولة الحديثة أي دولة الإستقلال لم يتم إسناد الأراضي المعدة للزراعة بشكل عادل بل تم التفويت فيها حسب معايير سياسية وحزبية وعشائرية أي حسب الولاء والمساندة والعلاقات العائلية والجهوية.
ليتواصل مسلسل الإستغلال العشوائي لأرض قادرة على إطعام ضعف عدد سكانها حسب تقارير المنظمة العالمية للزراعة ويذهب خبراء الزراعة التونسيين الى الاعتقاد بأن 60 ٪ من الأراضي التونسية المعدة للزراعة غير مستغلة بشكل علمي كما يعتبرون عدم إسناد تلك الأراضي للمزارعين والفلاحين الصغار عاملا من العوامل التي تسببت في انتكاس الفلاحة في تونس. بل إن عديد المستثمرين الفلاحيين الذين أسندت لهم الدولة آلاف الهكتارات حولوا صبغتها الى أراض معدة للبناء.
مافيا البسكويت
في ذات السياق زادت مافيا البسكويت الطين بلة وظهرت في السنوات الأخيرة سوق سوداء للفارينة المدعومة والموجهة للخبز والعجين الغذائي حيث يتعمد عديد الصناعيين من أصحاب المطاحن والمخابز وتجار المواد الغذائية بالجملة إلى التفويت في هذه النوع المدعوم من الفارينة الى مصانع البسكويت والحلويات الصناعية والتقليدية المستثناة من الدعم وهو ما يكلف المجموعة الوطنية وميزانية الدولة ملايين الدولارات باعتبار أن تونس تنتج سنويا أكثر من 72 ألف طن من البسكويت و 18 ألف طن من الحلويات هذه الأسباب قد تدفع بالدولة الى مراجعة أسعار الخبز والعجين الغذائي والحال أن عليها أن تعيد النظر في سياستها الفلاحية وإعطاء الأولوية للمزارعين في إسناد الأراضي الدولية.
الحبوب بالأرقام في تونس الإنتاج : 25 مليون قنطار سنة 2012 الإستهلاك : 31 مليون قنطار سنة 2011 التوريد ك 10 ملايين قنطار سنة 2011 أهم الموردين : فرنسا ب 33 ٪ أي 4.1 ٪ مليون قنطار نصيب القمح التونسي في تركيبة الخبز : 20 ٪ و 80 ٪ موردة نصيب القمج التونسي في تركيبة العجين 60 ٪ و 40 ٪ موردة سعر القمح : 450 دولارا للطن الواحد سعر القمح اللين : 220 دولار للطن الواحد سعر القمح الصلب التونسي : 430 دينارا للطن الواحد سعر القمح اللين التونسي : 350 دينارا للطن الواحد تغطية الانتاج التونسي للإكتفاء الذاتي : 70 ٪ فقط