مازال مطلب حزب حركة النهضة بتضمين فصل في الدستور يجرم الاعتداء على المقدسات الدينية، يثير تساؤلات عديدة لدى الساسة والحقوقيين، والمثقفين والمبدعين بالخصوص، حتى أن بعضهم إن لم نقل جلهم استغرب المطلب. فما جدوى هذا «الفصل» وما هي المرجعية الدستورية التي استند عليها حزب حركة النهضة للمطالبة به، ولماذا في هذا الوقت بالذات. ألا يمكن اعتباره تمهيدا لخنق حرية التعبير؟ أسئلة نطرحها في هذا الملف بمشاركة عدد من المبدعين والمثقفين عبروا عن آرائهم في القضية.
تجريم الاعتداء على المقدسات الدينية
وتعود القضية كما هو معلوم، إلى دعوة حزب حركة النهضة عقب أحداث العنف والتخريب الأخيرة التي شهدتها البلاد على خلفية ما روّج حول معرض العبدلية من وجود رسوم في المعرض تمس بالمقدسات الاسلامية إلى تضمين فصل في الدستور يجرم الاعتداء على المقدسات الدينية، وذلك داخل مداولات المجلس الوطني التأسيسي حول كتابة الدستور. واستغرب جل النواب في المجلس من خارج كتلة حركة النهضة هذا المطلب أو هذه الدعوة التي قوبلت في نفس الوقت بالرفض من عديد الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية والمثقفين والمبدعين بالخصوص. ورأوا في الفصل محاولة لفتح الباب أمام التعدي على حرية الفكر والحد من الحريات، كما جاء في موقف أمين عام حزب التجديد مثلا.
لو لم تكن العبدلية!
وتأتي دعوة حزب حركة النهضة إلى تضمين فصل في الدستور يجرم الاعتداء على المقدسات الدينية، في الحقيقة على خلفية ما روّج حول معرض قصر العبدلية من تضمنه رسوما فيها اعتداء على المقدسات الدينية وهو ما تم تكذيبه لاحقا. والسؤال ماذا لو لم يكن هناك معرض قصر العبدلية؟ هل كان حزب حركة النهضة سيطالب بهذا الفصل أم أنه أثار قضية العبدلية من أجل المطالبة به (الفصل؟) وفي كل الحالات ما هي المرجعية الدستورية التي تم الاستناد عليها للمطالبة بهذا الفصل، إذا لا يوجد دستور دولة ديمقراطية واحدة في العالم يتضمن فصلا يجرّم الاعتداء على المقدسات الدينية، لأن تضمين مثل هذا الفصل في الدستور من شأنه إثارة التمييز والتعصب الديني وهو ما تمنعه بلدان عديدة، تنص صراحة في دساتيرها على منع الدولة من ممارسة بعض أعمال التعصب أو التفضيل الديني داخل حدودها. وإذا كانت حركة النهضة جادة في مطالبتها بهذا الفصل، فلماذا لم تتحرك عندما تم الاعتداء على المعبد اليهودي في الكاف والكنيسة في جهة الحفصية بتونس العاصمة؟ أليس في هذا تمييز ديني وتفضيل لدين على آخر؟ إن حضور الدين في أغلب دساتير الدول الديمقراطية يقتصر على أحكام حرية المعتقد ومنع الدولة من التمييز والتعصب الديني.
تعد على حرية التعبير
وعلى الصعيد الفني والابداعي عموما يمكن أن يفتح هذا الفصل في حالة تضمينه في الدستور باب التعدي على حرية التعبير، مثلما حدث مع رسوم معرض قصر العبدلية، لأن ما يراه المبدع ليس هو نفسه الذي يراه المتلقي. فالمتلقي حرّ في قراءته ولكن ليس من حقه أن يفرض قراءته والتقييم لأنه يتطلب معارف كبيرة في الفن، وبالتالي لا يمكن الحكم عليه من قبل رجل الدين أو المتلقي العادي.
شعبوية
إن دعوة حزب حركة النهضة بتضمين فصل في الدستور يجرّم الاعتداء على المقدسات الدينية، تبقى في كل الحالات غير منطقية وعبثية، لأن هناك قوانين تحمي المقدسات وتعاقب كل من يعتدي عليها، وهذا موجود منذ مئات السنين، وليس وليد الثورة، أو ما حدث في قصر العبدلية. أضف إلى ذلك ثقافة المجتمع التونسي، القائمة على احترام المقدسات الدينية وخصوصا الاسلامية. والواضح أن حزب حركة النهضة الذي طالب بأن تكون الشريعة مصدرا للدستور ثم تراجع عن ذلك مازال يمارس نفس السياسة الشعبوية لكسب أنصاره مستغلا في ذلك عاطفة المواطنين الدينية.