علمت «الشروق» من مصدر جدير بالثقة بوزارة العدل، طلب عدم الكشف عن اسمه، أنّ الوزارة قرّرت فتح تحقيق في الظروف التي صدرت فيها بعض الأحكام بخصوص المتهمين في قضايا فساد من عائلتي بن علي والطرابلسية ورموز النظام السابق وإعادة فتح الملفات من جديد خاصة بعدما تبيّن وجود تجاوزات قضائية ينتظر أن تصدر فيها قرارات مصيرية يتمّ اتخاذها لأوّل مرّة في تاريخ تونس، قد تُغيّر مجرَى المرفق العدلي ومسَاره.
وقد عهد للتفقّدية العامة بوزارة العدل بالقيام بالإجراءات القانونية اللازمة للكشف عن كلّ عمليات التلاعب والفساد خاصة في علاقة بالقضايا التي تورّط فيها عدد من أفراد عائلتي بن علي والطرابلسية، وستتولّى التفقدية فتح تحقيقات معمّقة في الظروف التي تمت فيها المحاكمات وكيفية صدور الأحكام ومدى مطابقتها للواقع والقانون، وسيتمّ رسميا اعادة فتح العديد من الملفات التي صدرت فيها أحكام ومراجعتها من جديد والتدقيق فيها مع سماع القضاة الذين أصدروا تلك الأحكام.
والأحكام متعلّقة أساسا بعدد من القضايا التي أثارت جدلا في الآونة الأخيرة مثل ما عرف بقضيّة المطار التي تورّط فيها أكثر من ثلاثين شخصا من أفراد عائلتي بن علي والطرابلسية وأصدقاء لهم عندما حاولوا مغادرة البلاد يوم 14 جانفي 2011 هربا من ثورة الشعب التونسي، حيث تمّ الافراج عن أربعة متهمين، اضافة الى الافراج عن ابن شقيق الرئيس المخلوع قيس بن علي وكذلك مسالة الإفراج عن سفيان بن علي وإطلاق سراحه رغم أنّه لم ينه محكوميته بعد، إضافة إلى عدد كبير من القضايا التي مازالت تراوح مكانها في المرحلة التحقيقية رغم مرور أكثر من سنة أو الإحالات المتبادلة بين التحقيق ودائرة الاتهام في قضايا يمكن الفصل فيها في ظرف زمني أقل.
التفقّدية ستراجع العديد من الأحكام وتعيد النظر في ملفات سبق وأن صدرت فيها الأحكام وملفات تمّ فيها الحفظ أو التخلّي، وأخرى بين التعقيب ودائرة الاتهام، وذكر مصدرنا أنّ وزارة العدل ستتخذ إجراءات وقرارات صارمة ضدّ عدد من القضاة بعد الاستماع إليهم والتحرير عليهم في صورة ثبوت تورّطهم في معالجة ملفات فساد وملفات لها صلة برموز النظام السابق وبمتهمين من أفراد عائلتي بن علي والطرابلسية، وقد تصل العقوبات الى حدّ العزل والمحاكمة.
وقد كشفت وزارة العدل عن وجود تجاوزات وعدم التزام بالرسالة القضائية ويجري هذه الأيام إخضاع عدد من القضاة والمسؤولين القضائيين للتحقيق، من بينهم رئيس دائرة استئنافية بمحكمة استئناف ومساعد للوكيل العام بإحدى محاكم الاستئناف ووكيل رئيس بمحكمة ابتدائية، وذلك للاشتباه في تورّطهم في عدم التعاطي بحيادية القاضي واستقلايته في علاقة بقضايا لها صلة بجماعات بن علي وعائلته وأصهاره، وينتظر صدور قرارات تأديبية في شأنهم.
و ينتظر أيضا أن تصدر قرارات بعد الكشف عن تورّط قضاة في مثل هذه الممارسات مهمّة جدّا ومصيرية وصفت بأنّها الأولى في تاريخ المرفق العدلي في تونس ويمكن أن تغيّر مساره.
وقد دخلت وزارة العدل في حالة من «الاستنفار» بعد معاينتها للعديد من الأحكام والقرارات إلى حدّ حفظ التهم.وكان وزير العدل الأستاذ نور الدين البحيري قد صرّح أنّ الرئيس السابق بن علي مازال يستعين بشبكات لتهريب أموال، عبر فضاءات افتراضية أو مادية وقال « بأنه مازالت العديد من التحركات لأمواله في الخارج بمساعدة أشخاص له.»
وفي صورة ثبوت تورّط قضاة في التعامل بشكل استثنائي وغير قانوني مع المتهمين من رموز نظام بن علي و عائلته وأصهاره، فإنّ وزارة العدل تكون قد كشفت عن أخطر عملية لتورّط قضاة مع النظام السابق، وهو ما قد يهزّ صورة المؤسسة القضائية، التي لا يمكن النفي بأنها تزخر بطاقات وكفاءات مهنية من الحجم الكبير ولها مصداقية كبيرة سواء خلال سنوات الجمر أو بعد الثورة.