... مقهى الروضة الذي يتوسط العاصمة السورية دمشق تحول في هذه الفترة الى «برلمان حقيقي».. وقد ساعده وقوعه على بعد أمتار من مبنى البرلمان السوري في أن يصبح مكانا مفضّلا يتبادل فيه السوريون على اختلاف مواقعهم وشرائحهم آراءهم من الأزمة التي تعيشها بلادهم.. وحدها «الابتسامة الشامية» تتحدّى المحنة..وتوحّد السوريين.. «موالين».. و«معارضين».. لطالما شكل هذا المقهى علامة مميزة وفارقة في حياة المثقفين والكتاب والصحافيين.. في زواياه «تسبح» الحكايات وما أكثرها..! وبين طاولاته وكراسيه تنعقد جلسات الحوار والنقاش التي تلوح لك بلا نهاية.. ظاهريا يبدو الشكل العام للمقهى كغيره من المقاهي الشعبية المعروفة، الكل يلعب الورق بينما تحاول تلك العيون «المتعبة» والمحدقة.. «التنقّل» بين الحين والآخر بين الشاشات الكبيرة المثبّتة على محطات سورية إخبارية في سعي الى متابعة أخبار البلد التي تكاد «تخطف» المواطن السوري حتى من «راحته».. الكل هنا منشغل بما يجري في بلاده وحولها بينما جعل البعض من نفخ النرجيلة طريقة ل«نفخ» شيء من الوجع الذي يعتصر في قلوبهم.. لكنك لا يجب أن تتفاجأ إذا وقعت بالقرب منك «مشادة كلامية» قد تصل في بعض الاحيان الى حد الاشتباك بالأيدي على خلفية الاختلاف في الموقف والرؤية حيال ما يحدث في سو ريا.. لكن أي موقف وأي رؤية يملكها هؤلاء تجاه هذه الأحداث؟.. هنا ستسمع الجواب الذي يأتيك على الفور من «الموالين» «إنها المؤامرة على سوريا.. إنها اللعبة الاستعمارية ذاتها.. كل ما تسمعونه من قنوات الخداع والتجييش لا أساس له.. النظام صامد ولا مجال للتهاون مع القوات الظلامية التي تريد العبث بالوطن».. هنا يسارع المعارضون الى الرد على هذه الرواية «نظرية المؤامرة هذه مللناها وسئمناها.. ما حصل في حمص ودرعا وحماة ودير الزور كأن أساسا ضد الفساد والاستبداد». لكن ماذا حصل في هذه المناطق؟.. تريد أن تعرف ماذا جرى!؟.. عليك أن تسمع إذن «.. كل ما في الأمر أن احتجاجات شعبية انفجرت في هذه المناطق ضد سياسة الاقصاء والمحسوبية.. وضد سياسة التفقير والتهميش والبطالة.. لكن الأمن سارع الى وقف هذه المظاهرات السلمية بالقوة».. فماذا حصل في النهاية؟.. يضيف بعضهم مقاطعا «لقد انتهت المسألة الى مذبحة.. فهل هذه مؤامرة؟».. لكن الصورة بالنسبة الى البعض الآخر على غرار أبو سامر هي «شيء من هذا وشيء من ذاك» «نعم المؤامرة الغربية موجودة على سوريا هذا ليس جديدا. هذا مخطط قديم نعرفه وسنتصدّى له ونمنعه بكل ما أوتينا من قوة. لكن على النظام أيضا أن يعترف بأخطائه.. هناك أخطاء وقعت في حمص ودرعا خاصة من قبل الأمن لكن هذا لا يمنع أيضامن القول بأن هناك عناصر مسلحة ممولة من الخارج بهدف إثارة الطائفية وتهديد استقرارنا.. هذا أيضا حقيقة».. هكذا يرسم السوريون، موالون ومعارضون ومستقلون رؤيتهم للمشهد السوري.. لكن نبرة الحرص على الوحدة وعلى حماية الوطن والنسيج الاجتماعي المشترك ترسم خطوط التلاقي بين الجميع.. يخبرك هؤلاء عن تجنبهم الاستدراج الى النزاعات المذهبية وعن نبذهم للجماعات المسلحة التي تهدد العيش المشترك والتي تقتل وتخطف الناس.. .. هكذا ضمن هذا النسيج الاجتماعي المتشابك تجتمع كل شرائح المجتمع السوري لتنسج تناغما وحوارات عفوية ونقاشات عميقة تعبّر عن فهم كبير وإدراك أكبر للعبة السياسية وإن بأشكال مختلفة من حيث درجة الوعي والفهم لخفايا ما يدور.. من أمور.. لكن لا مكان هنا ل«معارض» يبيح التدخل الأجنبي في سوريا.. على غرار برهان غليون.. وغيره. «الأمر واضح.. يمكن لهؤلاء أن يقولوا ما يشاؤون في الترويج لأفكارهم وبرامجهم وتصور اتهم لكن هؤلاء لا مكان لهم بيننا.. هم ليس لهم برنامج أصلا سوى التمهيد والتسويق لضرب سوريا» هكذا يجيب المعارض السوري سمير الهواش «الشروق» عن سؤال بهذا الخصوص.. تطول بك الساعات داخل مقهى الروضة.. لكنك قبل أن تغادرها ثمة سؤال يأبى أن يغادرك» أين الشارع السوري من هذا؟» سوف لن يطول انتظارك كثيرا.. يكفي أن تطلّ خارج مقهى الروضة ليأتيك الجواب.. هناك على بعد أمتار سترى نساء يسرن نحو الكنيسة ل«الصلاة لسوريا».. هذا الموقف يجاهر به في الحقيقة غالبية المسيحيين الذين يقيمون قداسا صباحيا وآخر مسائيا ليحمي اللّه سوريا.. هم يرفضون أن يتنكّروا للأسد مثلما يقولون مهما اقتضى الأمر بل انهم يؤكدون أنهم سيكونون في خطوط الدفاع الأولى للدفاع عن سوريا في حال تعرّضها الى عدوان، لا سمح اللّه.. هذا أيضا موقف الشيعة وكذلك السنّة في دمشق.. هنا تذوب كل الفروق والتمايزات الطائفية.. تماما، كما تذوب «البوزة» السورية.. تحت أشعّة الشمس الدمشقية.. «الشتوية».. في طريق العودة، ستعترضك مسيرات تأييد مستمرة للأسد.. هي مسيرات تكاد لا تتوقف أصلا.. السيارات تجوب كل الطرقات.. الفتيان والفتيات يلوحون بالاعلام وصور الأسد ونصفهم خارج نوافذ هذه السيارات «مع الأسد الى الأبد».. يا بشار يا بشار.. يا اللّه كمّل ها المشوار».. «سورية.. سورية.. قلعة العروبة الأبية».. تعدّد عناوين اللافتات.. وتعلو معها الصيحات.. حتى المسافة بين الطلاب والمدارس باتت تخلق برهة من الزمن لهؤلاء للتعبير عن آرائهم حيال ما يحدث.. ولكن وسط هذا المشهد تبرز ملامح لمرحلة لا تكون بالتأكيد كسابقتها.. هناك عناوين عديدة يتطارحها السوريون يوميا في لقاءاتهم، في مظاهراتهم، في صرخاتهم.. عناوين تحمل في مضامينها قناعة كبرى بضرورة ا لاصلاح.. وأيضا خوف كبير من أن تذهب مكاسب الوحدة الوطنية أدراج الرياح..