صفاقس المتهمة بالنوم باكرا، قد يتهم قلبها لاحقا بمدينة الاشباح، فالسكان الذين اتخذوا من وسط المدينة العتيقة وما كان يسمى في السابق بالمدينة الحديثة احياء سكنية لهم غادروا في السنوات الأخيرة المكان بصمت ليتوزعوا في طرقات الجهة و»غاباتها» وفي المدينةالجديدة الواقعة على مشارف قلب المدينة.. الظاهرة قد لا يمكن ملاحظتها بيسر، فقلب المدينة يغص نهارا بالموظفين والتلاميذ والتلميذات وبالسيارات وبالدراجات وبكل وسائل النقل والحركة التي توحي بنبض الحياة، لكن ما ان يسدل الليل سكونه حتى تنطفئ كل الاضواء المنبعثة من الشقق ولا تبقى الا الاضواء العمومية وبعض الانوار الخافتة من المطاعم والنزل القليلة. بداية الرحيل، كانت منذ سنوات من المدينة العتيقة التي يحميها السور الأغلبي من كل الجهات، فالسور لم يعد يحتضن بين جدرانه العالية منازل وغرف المتساكنين، بل اكتفى بحماية «مطرقة» بعض الحرفيين وخاصة منهم الذين اتخذوا من الاحذية مهنة، فكل الشقق تحولت الى مصانع صغيرة تنبعث منها رائحة «الكولة» وأمامها تتكدس اطنان من بقايا الجلد والبلاستيك وكل مستلزمات الاسكافيين وبين انهجها الضيقة يرتع الهامشيون... وقتها، كانت صيحة الفزع التي اطلقها الجميع، لكن الصيحة لم تتجاوز الأسوار العالية وسرعان ما خفتت وخيرت الصمت امام غياب استراتيجية عمرانية تعيد الحياة للمدينة الاغلبية التي خلت من السكان والمتساكنين. وبعد المدينة الأغلبية جاء الدور على ما كان يسمى «بالبلاد السوري» اي باب البحر الذي خلا هو الآخر من المتساكنين، ولئن لم تنتبه بعد الجهات المعنية الى الظاهرة على حد علمنا، فإن الواقع يؤكد بداية وقوعها فكل الشقق مظلمة ليلا، وعلى اغلب الشرفات تقرأ اعلانا للبيع او للكراء حتى وان لم يكن الاعلان مكتوبا.. فهل فرّ السكان من الضجيج والأوساخ وبقايا المصانع والتلوث؟ أم ان الظاهرةاعمق من ذلك بكثير وباتت تستوجب دراسة اجتماعية دقيقة لإعادة الحياة للمدينة الأغلبية و»البلاد السوري»؟