أقدمت محطة «سي بي اس» التلفزيونية الأمريكية هذا الأسبوع على إبعاد ثلاثة مسؤولين واعلاميين ومنتجة برامج بعدما اتهمتهم ادارتها بعرض وثيقة «مزوّرة» ولتحايل الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش لتفادي ارساله الى فيتنام أثناء الحرب، في برنامج أذيع في سبتمبر الماضي حينما كانت حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية لا تزال متواصلة. وشمل قرار الإبعاد الذي اتخذ بعد نحو 4 أشهر من اذاعة البرنامج، نائبة رئيس القناة المكلفة بالبرامج الاخبارية «بيستي ويست» و»جوش هوارد» المسؤول عن برنامج «60 دقيقة» الذي يقدمه الاعلامي الأمريكي المعروف «دان راذر» ومساعدته «ماري مورفي»، اضافة الى المنتجة «ماري مابس» التي كانت وراء الحصول على الوثيقة «المزوّرة» حول ماضي بوش العسكري وهي التي كانت أيضا وراء نجاحات القناة بينها الكشف عن جرائم التعذيب في سجن «أبوغريب» بالعراق. ولم يشمل الإبعاد الصحفي «دان راذر» الذي كان قد قرّر التوقف عن تقديم برنامجه الشهير «60 دقيقة» الذي بدأ تقديمه قبل 24 عاما. واتهمت الوثيقة التي عرضت في الثامن من سبتمبر الماضي الرئيس الأمريكي بأنه نال «امتياز» الخدمة في صفوف الحرس الوطني بتكساس بينما كان يفترض إرساله الى فيتنام كجندي للمشاركة في الحرب في مطلع السبعينات. وشكلت القناة لجنة تحقيق «مستقلة» اتخذت قرار الابعاد بناء على تشكيك أرملة عقيد في الحرس الوطني بتكساس في صحة الوثيقة المنسوبة الى زوجها المتوفى عام 1984 وهي وثيقة داخلية تضمنت تأكيدا بأنه تم تجنيد بوش في الحرس الوطني بتكساس بناء على « تدخلات» تفاديا لإرساله الى فيتنام. ومع أن «دان راذر» مقدم البرنامج الذي عرضت فيه الوثيقة الخاصة بماضي الرئيس العسكري قدم اعتذارا عن الخطإ المفترض من جانب معدّي البرنامج إلا أن هذا الاعتذار لم يحل دون اتخاذ قرار ابعاد المسؤولين والاعلاميين الأربعة، وهو قرار يبدو سياسيا أكثر مما هو مهني. هذا القرار أقام الدليل مجددا على أن الولاياتالمتحدة التي تقدم نفسها للعالم على أنها «جنّة الحريات وحقوق الانسان» بما في ذلك حرية الاعلام ليست بهذه الصورة المثالية، حيث أن التعامل مع موضوع التقرير الذي أذاعته محطة «سي بي اس» حول ماضي الرئيس الأمريكي لا يمكن تصنيفه خارج اطار انتهاك حرية الاعلام. وليس خافيا على أحد أن الادارة الأمريكية التي باتت تنكر على كل صوت حرّ أن ينطق بما يريد سواء كان هذا الصوت داخل الولاياتالمتحدة أوخارجها، قد دخلت في حرب حقيقية على كل وسيلة اعلام تجرؤ على فضح الممارسات الأمريكية في العراق والاسرائيلية في فلسطين عدا نشر «الغسيل» في الولاياتالمتحدة ذاتها خصوصا في ما يتعلق بمؤسسة الحكم الحالية. وإذا كان الإعلاميون الذين عرضوا الوثيقة الخاصة بماضي الرئيس بوش قد عزلوا بدعوى عدم احترام الضوابط المهنية في نقل الخبر فإن وسائل الإعلام التي لا تتجاوز حد نقل أخبار الانتهاكات الأمريكية الفظيعة في العراق والإسرائيلية في فلسطين أو التي تكتفي بنقل أخبار المقاومة في القطرين تصبح متهمة بالتحريض على الإرهاب أو بمعاداة السامية وهكذا كان الحال مع «الجزيرة» و»المنار» ولأن الغرب في كل هذا سواء فقد قدمت فرنسا بدورها مثالا صارخا على ما يمكن أن تتعرض له حرية التعبير ولعل قضية نائب مدير إذاعة فرنسا الدولية (إر اف إي) «آلان مينارغ» الذي عزل قبل أسابيع من منصبه لأنه انتقد الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني تمثل أبلغ دليل على مدى «احترام» حرية التعبير والإعلام في العالم الغربي.