توجه الرئيس زين العابدين بن علي الى الدورة الثانية والعشرين لمجلس وزراء الداخلية العرب بكلمة تولى القاءها باسم سيادته صباح أمس في افتتاح الدورة السيد رفيق بالحاج قاسم وزير الداخلية والتنمية المحلية. وفي ما يلي النص الكامل لهذه الكلمة: يطيب لي بمناسبة انعقاد الدورة الثانية والعشرين لمجلس وزراء الداخلية العرب أن أحيي أصحاب السمو والمعالي السادة وزراء الداخلية العرب والوفود المرافقة لهم وان أرحب بكم في بلدكم الثاني تونس الحريصة دوما على تعزيز العمل العربي المشترك وترسيخ دعائمه وأرحب في هذا الاجتماع بصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز الرئيس الفخري لمجلسكم الموقر معربا له عن تقديري للرعاية التي ما انفك يحيط بها هذا المجلس بكل حكمة وبعد نظر. إن مجلسكم يبقى خير إطار لتدارس القضايا ذات الطابع الأمني المطروحة على الأمة العربية بفضل ما يوفره من فرص للتشاور والحوار . ومما يبعث على الارتياح حرص مجلسكم على تحقيق مزيد التقارب بين أجهزة الشرطة والأمن في أقطارنا العربية وذلك من خلال وضع الاتفاقيات والاستراتيجيات والخطط الأمنية والمدونات والقوانين النموذجية من أجل التصدي لأهم الظواهر المجتمعية واخطر الجرائم المتداولة وكل ما يهدد امن دولنا وشعوبنا أو يخل باستقرارها ومناعتها . واغتنم هذه الفرصة لأنوه بالجهود التي تبذلها الأمانة العامة للمجلس وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية في هذا الإطار دعما لمقومات الأمن العربي المشترك . إن المواضيع المدرجة بجدول أعمالكم تعكس اهتمامكم بمزيد تكثيف التشاور وتعزيز التعاون بين الدول العربية في كل ما يتعلق بشؤون الأمن ومكافحة الجريمة بشتى أنماطها داخل الوطن العربي وفي إطار التكامل مع بقية أعضاء المجموعة الدولية . واني اقدر فيكم حرصكم الدؤوب على تقييم ما تحققونه من انجازات وتتخذونه من قرارات حتى يبقى عملكم ناجعا وفي مستوى المسؤوليات الجسيمة الموكولة إليكم في خضم التحولات العميقة والمتسارعة التي يشهدها العالم اليوم . وعلى غرار الدورات السابقة تشد اهتمامكم في هذه الدورة ظاهرة الإرهاب ومتابعتها على مستوى الاجتماعات والمؤتمرات القطاعية المختلفة ذلك أن التصدي لهذه الظاهرة يستدعي تنسيق جهود الأسرة الدولية والمجموعات الجهوية والإقليمية كافة في إطار منظمة الأممالمتحدة . لقد أدركنا مبكرا في تونس مخاطر هذه الظاهرة فكانت دعوتنا إلى عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأممالمتحدة من اجل اعتماد مدونة سلوك دولية لمكافحة الإرهاب تلتزم بها جميع الأطراف. ونادينا منذ حوالي عقدين بضرورة صياغة رؤية تعالج جذور هذه الظاهرة بالاعتماد على مقاربة شاملة متعددة الأبعاد لا أسبقية لواحد من أركانها على آخر ولا تفاضل بينها وتتنزل ضمن هذه الأبعاد الجهود الايجابية ذات الطابع الأمني التي تبذلونها في إطار مشمولات أنظاركم على المستويين الوطني والعربي وعلى غيرها من المستويات في سبيل ترصد ظاهرة الإرهاب وتفكيك شبكاته وخلاياه ومنع تمويله ودرء أخطار الممارسات الإجرامية التي تغذيه التقليدية منها أو المستجدة. وإننا مدعوون في ذات السياق إلى مواصلة العمل على إفشال محاولات بعض الأوساط للخلط بين الإرهاب والإسلام وعلى إبراز الصورة الحقيقية لديننا الحنيف وتكريس ما يتميز به من قيم التسامح والاعتدال والتعايش . وان تونس تؤمن أن العلاقات الدولية لا تنمو إلا في ظل الحوار والوفاق والتضامن وبمنأى عن التعصب والتطرف ومخاطر الفتن والحروب وفي كنف العدل والاحترام المتبادل والتعاون المتكافئ بين الأفراد والمجموعات والشعوب . وتتنزل في هذا السياق أيضا دعوتنا لإحداث صندوق عالمي للتضامن الذي نعتز بإقراره من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع وحرصا على دعم انطلاق هذا الصندوق في نشاطه وإسداء خدماته في أقرب الآجال أذنا بتخصيص نسبة 10 بالمائة لتمويله من تبرعات الخواص والمؤسسات المجمعة بتونس بمناسبة احتفال تونس بيوم التضامن الوطني في 8 ديسمبر 2004 . كما تندرج في ذات الإطار مبادرة بلادنا بالعمل على كسب رهانات مجتمع المعلومات والقضاء على الفجوة الرقمية التي هي بالأساس فجوة تنموية. ومن هذا المنطلق تستعد تونس بكل اعتزاز لاحتضان المرحلة الثانية من القمة العالمية حول مجتمع المعلومات في آخر هذه السنة وهي قمة تخصص لبحث السبل الكفيلة بتأمين حسن استثمار ما تتيحه تقنيات العصر من فرص تنموية جديدة علاوة على إحكام توظيف الشبكات الدولية للاتصال. والى جانب كسب رهانات مجتمع المعلومات أكدت بلادنا على ضرورة رفع التحديات المطروحة أمام الإنسانية بسبب تفاقم النزاعات المسلحة وانتشار بؤر التوتر ودعونا إلى التعجيل بإيجاد الحلول الدائمة لعدد من القضايا العادلة وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني الشقيق وكذلك مساعدة الشعب العراقي الشقيق على استعادة أمنه واستقراره. لقد أدرج مجلسكم باقتراح تونسي بندا يتعلق ببحث» سبل التنسيق والتعاون بين هياكل الإحاطة الطبية والاجتماعية في الأجهزة الأمنية بالبلدان العربية». وإذ نبارك هذا التمشي فانه لا يسعنا إلا أن نشيد بالنقلة النوعية التي يحققها المجلس بكفاءة واقتدار في محاولة الإلمام بكافة مجالات اختصاصه بما في ذلك توفير أفضل ظروف الرعاية الصحية والاجتماعية لمنتسبي الأمن والشرطة وعائلاتهم . ويندرج هذا الاقتراح في إطار الحرص على إيلاء ما يلزم من العناية الشاملة والمتواصلة بالمتطلبات الحياتية للعاملين في القطاع الأمني بما يحفز هممهم ويرفع معنوياتهم حتى ينقطعوا في كنف الارتياح والاطمئنان وبكل حزم وثبات للمهمات الجسيمة الموكولة إليهم. وان تبادل التجربة وتقاسم الخبرة بين وزارات الداخلية في الدول العربية كفيل بتطوير هذا القطاع في بلداننا والارتقاء به إلى المستوى المؤمل . يلتئم مجلسكم اليوم ونحن على ثقة بان القرارات التي ستنبثق عنه ستكون لبنة جديدة من شأنها مزيد تعزيز التضامن العربي وتفعيل التعاون المثمر بين دولنا من أجل مجتمع نحفظ أمنه وسلامة أبنائه مجتمع نضمن له دعائم التوازن والأمان ونوفر له مقومات الازدهار والاستقرار . ويقيني بأن جهودكم الصادقة ومساعيكم المخلصة ستساعد دون شك على المضي قدما في سبيل تحقيق النتائج المرجوة «.