كان يلهو بلعبة تقليدية مصنوعة من القماش نجح في لفها بشكل غير دقيق ..إلى جانبه شقيقته الصغرى تتسلى بدمية مبتورة الرجل ، شعرها أغبر أشعث ، ومع ذلك كانت البنية التي لم تتجاوز ال4 أو ال5 سنوات تستشعر لحظات سعادة كبرى تجلت في مقطوعات مبتورة من بعض الأغاني وأناشيد رياض الأطفال ترددها في صمت وجهر ترفقها بحركات تتماهى مع نظرتها بتباه وعشق لدميتها القماشية الممزقة من بعض الأجزاء. كان الشقيقان غير معنيين كثيرا بالقصف وصوت القنابل ورائحة البارود والحركة السريعة أمام باب البيت وتحت أنظار أم في الثلاثينات من عمرها تتطلع بخوف وتوجس من نافذتها المهشمة في جزئها الأعلى إلى السماء وتستمع بانتباه شديد إلى كل صوت يأتيها من بين جدران بيتها وقلبها معلق ينتظر أخبارا سارة تستبق إليها من زوجها الفدائي المقاوم .. شريكها في الحياة والعذابات ، خرج قبل بزوغ الشمس بعد أن صلى وتره وفجره في الظلام مع عسعسة ليل ثقيل وصباح تنفس تحت صوت القنابل المدوية هنا وهناك في أرجاء المدينة العتيقة .."أبو العيال " كان قد تيمم في غياب ماء الوضوء الذي تركه في وعاء بلاستيكي لفلذة أكباده ولزوجته للشرب وللطبخ بتقسيط تعودت عليه أم العيال كما تعودت على تقسيط المؤونة التي لم تعد تكفها لبقية اليوم .. والأم ترقب أبناءها بانتباه شديد وتمنعهم من الخصومة من أجل لعبة بالية قديمة ولسانها يدعو لهما ولزوجها بالنجاة وطول العمر والصحة والعافية ينهار عليهم سقف بيتهم الصغير القديم الواقع بقلب المدينة دون تنبيه وصوت قنابل تنذرهم بالخطر .. تساقطت الحجارة الثقيلة على أجسام الطفلين الغضة الطرية ..وامتلأ البيت بالغبار وحجبت الرؤية وتوقف الهواء وارتفع صوت الطفلين مختنقا " ماما ..ماما ".. ولئن بلغ الأنين مسامع الأم المعدلة أوتارها بالسجية على صوتي صغيريها لم تقدر على الإجابة فمدت بثقل مشفوع بالألم يدها اليمنى صوب صوت الطفلين لكنها لم تبلغهما لتدفع بجسمها تحت ثقل الأنقاض إليهما وتمسك بأطراف أصابعها بيد البنية الصغرى التي تصيح صياحا عاليا صداه لم يبلغ أمراء وحكام وسلاطين العرب والمستعربة والعاربة.. هم ، سادتنا وأولو أمرنا يغطون في الحرير مع الحرائر وغير الحرائر يتلذذون بالحياة التي تشغلهم على صوت القنابل ..يخطون البيانات الفارغة ويسارعون إلى إمضاء معاهدات التطبيع مع من احترفوا التقتيل والتجويع .. رفعت عينيها إلى السماء ، فلم تلمح السقف وبقايا السقف والجدران والأعمدة المتهاوية ، لكنها لمحت وجه الله فقالت له بصوت حزين : ربنا أن مُلُوكنا لم يدَخَلُوا "غزة " لنصرتها بل دخلوها مع عدونا فأَفْسَدُوهَا "وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً " ..عدونا يبيدنا ويهجرنا ويجوعنا ويقطع عنا الماء والدواء بل والهواء وسادتنا ليسوا معنا هنا ..سادتنا قالوا لنا انا لن ندخلها أبدا ما دام الصهاينة فيها ، فاذهبوا انتم وربكم فقاتلوا انا هاهنا قاعدون على عروشنا بذلة وخشية جالسون.. وأضافت ربنا سنقاوم مادام في العمر بقية ولن نستسلم مؤمنين بوعدك " ألا أن نصر الله قريب " .. راشد شعور