أصبحت أغلب شواطئ الوطن القبلي مهددة بسبب ظاهرتي الانجراف والتلوث البحري، من خلال تقدّم مستوى البحر في اتجاه اليابسة، جراء المياه المعالجة لمحطات التطهير التي تصب مباشرة في البحر وأحواض تربية الأسماك. مكتب نابل (الشروق) أكدت إدارة الصحة الوقائية بالإدارة الجهوية للصحة بنابل مؤخرا ،إثر القيام بتحليل لمياه البحر في نقاط المراقبة القارة البالغ عددها 62 نقطة، والممتدة على مسافة 200 كلم من شواطئ ياسمين الحمامات إلى شاطئ سليمان، عدم صلوحية ثلاث نقاط للسباحة والصيد، ومن ضمنها الشاطئ الواقع قبالة المصب النهائي للمياه المعالجة المتأتية من محطة التطهير بدار شعبان الفهري، بسبب صب مياه الصرف الصحي المعالجة من محطة SE4 بدارشعبان الفهري. وفي هذا الاطار، اكد سامي خلف الله مستشار بلدي بدار شعبان الفهري وخبير فلاحي وبيئي وتنموي وصاحب مكتب دراسات في هذه المجالات، إن التغيرات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية يتجاوز تأثيرها موضوع تحجير الاستخدام للسباحة والترفيه من طرف الوافدين على الشواطئ في الصيف إلى تأثيرها سلباً على الكائنات الحية التي تعيش بالبحر وعلى النباتات التي تنمو على الشواطئ والكائنات المائية، التي يقوم الإنسان بعد ذلك بتناولها كغذاء. تلوث مياه البحر وتابع خلف الله انها تتسبّب في قتل الأحياء فيه بسبب نقص تركيز الأكسجين مما يؤدي إلى موت الكائنات المجهرية وبالتالي فقدان البحر لخاصيته في التنقية الذاتية، ويسهم في تكاثر الفيروسات والبكتريا المسببة للعديد من الأمراض، وفي مقدمتها أمراض الحساسية والجهاز التنفسي والفشل الكلوي وتكون هذه المياه الملوثة عنصرا لنقل الأمراض خصوصاً مرض البلهارسيا والسالمونيلا. وأضاف محدثنا ان ما يزيد في تفاقم التلوث أنه قد يطرأ المزيد من التدهور على تشغيل محطة المعالجة SE4 ونتيجة لذلك، يجري تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة أو ذات المعالجة السيئة التي لا تستوفي المعايير المطلوبة مباشرةً في البحر يوميًا، مما يتسبب في تلويث الشواطئ على نطاق أوسع. واكد محدثنا ان مع عمق أزمة تلوث مياه البحر في سواحل بني خيارودار شعبان الفهري ونابل وجود ملوثات أحواض تربية الأسماك، التي انتشرت في السنوات الأخيرة على طول سواحلنا وغير بعيدة عن الشواطئ مما حمل المجتمع المدني ببني خيار على وجه الخصوص على إطلاق صيحة فزع واستغاثة من أجل تدخل السلطات المعنية للحماية من التلوث، الذي لحق بمياه البحر والرمال الشاطئية، وذلك نتيجة ما تخلفه أحواض تربية الأسماك من رواسب وأضرار على البيئة والثروة السمكية. تأثيرات خطيرة واشار سامي خلف الله في هذا الصدد الى أن كل ما تمت الإشارة إليه يؤكد ضرورة مراقبة وضعية تربية الأسماك في كل سواحل خليج الحمامات ومدى مطابقتها للمواصفات العالمية خصوصا بعد ما أثبتته إحدى الدراسات العلمية المنجزة منذ سنة 2013 حول تأثير أحواض تربية الأسماك على البيئة البحرية، من خلال ارتفاع تركيز العديد من المواد الكيمياوية في المياه المحيطة بهذه الأحواض مقارنة بالمياه البعيدة عنها نسبيا (مثل الأمونيوم والنيترات والفسفور والسيليسيوم)، هذا بالإضافة الى الترسبات الناجمة عن تراكم المواد العلفية والأوساخ وبقايا الأسماك. وقد خلصت هذه الدراسة في خاتمتها إلى نتائج نهائية تثبت أن نسبة الكيميائيات المعدنية في محيط أقفاص تربية الأسماك ترتفع وتزداد كلما تقادمت هذه المزارع الاصطناعية في نفس المكان وهو واقع الحال بالنسبة لسواحلنا التي تجاوزت فيها مدة استغلال أحواض تربية الأسماك العشر سنوات. الانجراف... يهدّد الشواطئ من جهة اخرى، تخسر ولاية نابل سنوياً عشرات الكيلومترات من شواطئها مع تقدّم مستوى البحر في اتجاه اليابسة إذ باتت شواطئ نابل مهدّدة بالزوال، لا سيّما في مناطق دار شعبان الفهري وبني خيارونابل والحمّامات وسليمان، وتآكل الشواطئ يقلّص من مساحاتها ليقترب البحر أكثر من المنازل والمطاعم والنزل القريبة منه. وتفيد دراسة أعدّتها وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي بأنّ أكثر من 300 كلم من السواحل التونسية مهدّدة بالزوال بسبب الانجراف البحري، وأن البحر قد يغرق نحو 16 ألف هكتار من المساحات القريبة من خليج الحمّامات وغار الملح وبنزرت وجزيرة جربة وقرقنة وسوسة، اضافة الى ذلك فان حوالي 700 ألف هكتار من الأراضي السكنية المتاخمة للسواحل التونسية مهدّدة بالخطر على غرار شاطئ دار شعبان الفهري، الذي كان يمتد في السابق على مسافة تفوق 100 متر، لم يبق منه شيء الآن بسبب تآكل الشاطئ وتقدّم مياه البحر، التي بلغت الطريق المعبدة المؤدية للبحر. كما أن نحو 15 كيلومتراً من ميناء بني خيار في نابل وصولاً إلى ياسمين الحمّامات، تشهد انجرافاً بحرياً حاداً، فالشواطئ تتآكل ويُخشى زوالها مستقبلاً مثلما حصل في جزء كبير من شاطئ دار شعبان الفهري في نابل الذي غمرته المياه في عام 2008. عوامل بشرية ويفسر سامي خلف الله هذه الظاهرة بوجود عوامل مناخية وأخرى بشرية، فالتغيّرات التي يشهدها المناخ والتي صارت أكثر حدّة في السنوات الأخيرة، لا سيّما ارتفاع درجات الحرارة، ساهمت في ذوبان الثلوج في العالم، الأمر الذي أدّي الى ارتفاع منسوب مياه البحر. وعن العوامل البشرية فيأتي بناء السدود على الأودية التي تصب في البحر ليفاقم من ظاهرة الانجراف البحري بمنع وصول الرمال التي كانت تجرفها مياه الأمطار إلى البحر، التي تساهم بقدر في تغذية الشواطئ، بالإضافة إلى بناء المواني البحرية و"الياسقالات" التي تعيق عمل التيارات البحرية التي تشحن مياه البحر بالرمال وتنقلها من ساحل إلى آخر. ويبقي السبب الرئيس في اختلال التوازن بين تآكل الشواطئ وتغذيتها بالرمال هو عدم احترام البشر للسواحل وتشييدهم مباني (منازل ونزل ومنتجعات..) قريبة جداً من البحر، الأمر الذي يمنع المساحات الرملية من التجدد بصفة طبيعية، واستناداً إلى دراسة حديثة، فإنّ معدّل تقدم البحر انطلاقاً من عام 2020 وحتى عام 2050 سوف يتراوح ما بين 30 و50 سنتيمتراً، وثمّة سواحل تونسية سوف تُغمَر أكثر من غيرها.