الإكثار من النوافل يجبر الفرض ويحبِّب الرب في العبد، سيما السنن الرواتب، وصيام الهواجر، والصدقة التي تطفئ غضب الرب قال الله تعالى في الحديث القدسي : «ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه». وأول ما يحاسب به العبد بعد موته الصلاة، فإن صلحت فقد فاز وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، ثم ينادي المولى -عز وجل-: هل لعبدي من نوافل ليتم به ما انتقص من صلاته، وهكذا سائر الأعمال، كما أخبر الصادق المصدوق. فينبغي أن يكون لكل مسلم نصيب من ذلك قل أم كثر يداوم عليه ويسارع بالامتثال إليه، لينال أجر ذلك في السفر والحضر، والصحة والمرض: «إذا مرض العبد أو سافر كُتِب له من العمل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم»، كما ورد بذلك الخبر، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- عمله ديمة، وصح عن عائشة -رضي الله عنها- ترفعه: «أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل»، وليس هناك عمل قليل مع القبول، ولا كثير مع الرد والنكول. فثواب الحسنة ، الحسنة بعدها، من ذلك إرشاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمته بصيام ستة أيام من شوال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر». وقد اختلف أهل العلم في صيام هذه الستة من شوال، في حكمها، وكيفية صيامها، وتتابعها وتفرقها، ونحو ذلك فذهبوا في ذلك مذاهب، شتى أهمها انه يستحب صيامها، وهذا مذهب الجمهور: الشافعي، وأحمد، وداود، وابن المبارك، وغيرهم. ويستحب إخفاء صيامها، في احد اقوال الامام مالك. يكره صيامها حتى لا يتصل ذلك بالصيام الواجب وهو رمضان، وذهب إلى ذلك أبو حنيفة والقول المشهور عند مالك. واستدل القائلون باستحباب صيام ستة شوال بحديث أبي أيوب يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- عند مسلم: «من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر»، وقال الإمام أحمد: «هو من ثلاثة أوجه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-». وروى سعيد بن منصور في سننه بإسناده عن ثوبان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من صام رمضان، شهر بعشرة أشهر، وصام ستة أيام من الفطر وذلك تمام سنة». وهذا القول هو القول الراجح الذي يؤيده الدليل. واستدل الكارهون لصيام ستة شوال، وهم مالك وأبو حنيفة ومن وافقهما، وعلل مالك ذلك بشيئين هما: أنه لم ير أحداً من أهل الفقه يصومها. وأنه لم يبلغه عن أحد من السلف. قال مالك في الموطأ: (وصوم ستة أيام من شوال لم أر أحداً من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغه ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم في وقته كانوا يكرهون ذلك ويخافون بدعته، وأن يُلحِق برمضان أهل الجفاء والجهالة ما ليس منه، لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك). وهذا قول مردود، وأجاب أهل العلم المستحبون لصيامه بأن السنة ثابتة في ذلك، ولا يمكن أن تترك سنة صحيحة لهذه التوهمات. وعلل أبو حنيفة كراهته لصيامها مخافة التشبه بأهل الكتاب في زيادة ما أوجبه الله عليهم من الصيام، والرد عليه كالرد على مالك. وقال النووي: (قال أصحابنا: يستحب صوم ستة أيام من شوال لهذا الحديث.. وهذا لا خلاف فيه عندنا، وبه قال أحمد وداود، وقال مالك وأبو حنيفة: يكره صومها. وأما قول مالك فلم أر أحداً يصومها فليس بحجة في الكراهة، لأن السنة ثبتت في ذلك بلا معارض، فكونه لم ير لا يضر، وقولهم لأنه قد يخفى ذلك فيعتقد وجوبه ضعيف لأنه لا يخفى ذلك على أحد، ويلزم على قوله أن يكره صوم يوم عرفة، وعاشوراء، وسائر الصوم المندوب إليه، وهذا لا يقوله أحد) .وقال الحطاب في شرح مختصر خليل: (فكره مالك -رحمه الله- ذلك مخافة أن يلحق برمضان ما ليس منه عند أهل الجهالة والجفاء، وأما الرجل في خاصة نفسه فلا يكره له صيامها. وروي عن الحسن البصري أنه كان إذا ذكر عنده صيام هذه الستة قال: لقد رضي الله بهذا الشهر للسنة كلها ولعله إنما أنكر على من اعتقد وجوب صيامها، وأنه لا يكتفي بصيام رمضان عنها في الوجوب، وظاهر كلامه يدل على هذا.