ألزِمْ نفسَكَ الحديثَ بعمل الخير وإن لم تفعل، ومهما حدّثت نفسك بشرٍّ فاعزِمْ على ترك ذلك لله، إلا أن يغلبك القدر السابق، والقضاء اللاحق؛ فإن الله إذا لم يقضِ عليك بإتيان ذلك الشيء الذي حدّثت به نفسك كتبَهُ لك حسنة وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه يقول: «إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها» [رواه مسلم].وكلمة «ما» هنا ظرفيةٌ، فكل زمان يمرُّ عليه في الحديث بعملِ هذه الحسنة وإن لم يعملها فإن الله يكتبها له حسنة واحدة في كل زمان يصحبه الحديث بها فيه، بلغت تلك الأزمنة من العدد ما بلغت، فله بكل زمان حديث حسنة، ولهذا قال: « ما لم يعملها « . ثم قال تعالى: «فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها»، ومن هنا فُرض العُشر فيما سقت السماء ، فإن كانت من الحسنات المتعدّية التي لها بقاءٌ؛ فإن الأجر يتجدّد عليها ما بقيت إلى يوم القيامة؛ كالصدقة الجارية مثل الأوقاف والعلم الذي يبُثُّه في الناس والسنة الحسنة وأمثال ذلك. ثم تَمّمَ نعمه على عباده فقال تعالى: « وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها» . وما هنا ظرفية كما كانت في الحسنة سواء، والحكم كالحكم في الحديث والجزاء بالغاً ما بلغ. ثم قال: «فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها»، فجعل العدلَ في السيئة، والفضلَ في الحسنة، وهو قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وزِيادَةٌ} [يونس: 26]، وهو الفضل، وهو ما زاد على المثل.