في لقاء سعيّد بوزيري الفلاحة وأملاك الدولة .. توجيهات لتطهير ديوان الأراضي الدولية    كلاسيكو الأرض.. برشلونة يقسو على ريال مدريد برباعية    أولا وأخيرا ..مسك الليل    التونسية ندى عبيد: لم أتوقّع كل هذه الشهرة    دعوة الى إقرار أسعار مجزية    أمر رئاسي يخص المدينة الطبية    من 30 أكتوبر إلى 2 نوفمبر.. باجة تحتضن الدورة السابعة للمهرجان الوطني للمونولوغ    مع الشروق .. تجميل المدن.. مظهر حضاري    بعد 20 سنة من طرحها.. لطيفة تعيد تقديم "تعرف تتكلم بلدي" بشكل جديد    سميرة مقرون: ''كلام إياحي في التيك توك''    المنستير: يوم علمي بعنوان "فرص وتحديات البحث الأكاديمي حول تقنيات "باور 2 اكس" في تونس"    القيروان: برمجة 5ر53 ألف هكتار من الحبوب من بينها 28 ألف هكتار مساحات مروية    الرابطة 2.. نتائج مباريات الدفعة الأولى من الجولة الثانية    الطلائعيّة وتعدّد اختصاصات البحث العلمي موضوع ندوة علمية دولية لإحياء ذكرى الراحلة منيرة شابوتو الرمادي    "نيابوليس ايكس" تجربة فريدة للغوص في تاريخ الموقع الاثري باعتماد الواقع الافتراضي والمعزز والذكاء الاصطناعي    أمطار أحيانا غزيرة بهذه المناطق ليل السبت    حادث في سليانة: وفاة الأب وإصابة أفراد عائلته    جلسة عمل عن بعد مع رؤساء وأعضاء الهيئات الفرعية بالخارج لتقييم سير الانتخابات الرئاسية بالخارج    تصفيات كاس امم افريقيا (المغرب 2025): لجنة التاديب بالكنفدرالية الافريقية تقرر هزم منتخب ليبيا امام نيجيريا جزائيا    تظاهرة "فرصة ستريت 2024" يومي السبت والأحد بتونس مناسبة لتقديم فرص تشغيلية للشباب التونسي    أطباء مختصون في أمراض وجراحة العيون يحذّرون من مخاطر سوء إستعمال العدسات اللاصقة    روسيا: سعر الفائدة الرئيسي يرتفع الى مستويات قياسية    أطباء مختصون يحذّرون من مخاطر سوء إستعمال العدسات اللاصقة    أطباء مختصون في أمراض وجراحة العيون يحذّرون من مخاطر سوء استعمال العدسات اللاصقة    العدسات اللاصقة قد تؤدي إلى حد الإصابة بالعمى...أطباء يحذرون    الرابطة الأولى: التشكيلة الأساسية الأولمبي الباجي في مواجهة النادي الإفريقي    حجز 24 قطعة من مخدّر القنّب الهندي في منزل بسوسة    بنزرت: تزويد سوق الجملة للخضر بجرزونة ب37 طنّا من البطاطا في إطار التحكم في مسالك التوزيع والسيطرة على الاسعار    عاجل : إجراءات مرورية بمناسبة مقابلة الترجي والنادي البنزرتي    المنتخب الوطني: اليعقوبي يخلف البنزرتي في القيادة    عاجل/ تونس تحذّر من سعي الكيان الى إشعال حرب مدمّرة في العالم بأسره    "رد ضعيف لم يرتق للمستوى المنتظر"..انتقادات إسرائيلية حادة للهجوم على إيران    عاجل/ الهجوم الاسرائيلي على ايران: دولتان عربيتان تؤكدان عدم استخدام مجالها الجوي    السفير السعودي: نقف مع تونس في دعم التنمية خاصة في هذه المجالات    صدور أمر يتعلق بخطايا تأخير اشتراكات الضمان الاجتماعي ونظام التعويض عن الأضرار    انطلاق العطلة المدرسية ووزارة الداخلية تدعو مستعملي الطريق إلى التقيد بقواعد الجولان    اليوم في مجاز الباب: هل يحافظ الأولمبي الباجي على صدارته أم للإفريقي رأي آخر؟    الجهات والأقاليم تسجل ديناميكيّة تصديرية إيجابيّة    عاجل : أمطار وتقلبات جوية ابتداءً من مساء اليوم في عدة ولايات تونسية    المرسى: منحرف خطير محل 14 منشور تفتيش في قبضة الأمن    ضبط كهل يقوم بالتنقيب على الآثار داخل منزله في حدائق قرطاج    القيروان: حادث مرور قاتل    عاجل/ القبض على فتاة قتلت والدتها وتحصّنت بالفرار    العرض الموسيقي التونسي "عين المحبة": اعتراف بالجميل لجيل من المطربين والموسيقيين    هجمات لحزب الله توقع قتلى في صفوف جيش الاحتلال    العراق يوقف حركة الطيران في جميع مطاراته    عاجل/ الهجوم الاسرائيلي على ايران: السعودية تُدين وتستنكر    اسر|ئيل تقص.ف طهران بواسطة الطيران الجوي    حدث في متل هذا اليوم، 26 أكتوبر    سعيد يقوم بجولة وسط العاصمة ثم يجتمع بالقيادات الامنية    وزير الدفاع الوطني يفتتح المؤتمر الوطني 14 للطب العسكري    مسافة نصر    وزير الاقتصاد يجري لقاءات مع ممثلي مؤسسات مالية في واشنطن    عاجل/ هذا الثنائي سيتولّى قيادة المنتخب خلفا لفوزي البنزرتي    استئناف سير القطارات على الخط الرابط بين صفاقس المتلوي.    منبر الجمعة ...الوكيل والكفيل !    غدا: الكعبة المشرفة تشهد ظاهرة فلكية    أيوب اليزيدي: من ولد بلاد إلى علامة تجارية في الستريت وير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرايا:ينتحرون من فرط السعادة والرخاء... وننتحر من شدّة الفقر والشقاء !
نشر في الشروق يوم 07 - 12 - 2018

إذا كان الفقر يقتل... والبؤس يقتل... والخصاصة تقتل... والحرمان يقتل... والبطالة تقتل... والتهميش يقتل... والإحباط يقتل... والتشاؤم يقتل... فإن السعادة أيضا تقتل...
وكما يحدث في شعوب ومجتمعات كثيرة حيث يقرّر الكثيرون وضع حدّ لحياتهم البائسة وينتحرون من فرط التعاسة والتشاؤم، يحدث أن ينتحر الكثيرون في المقابل من فرط السعادة... أشخاص يولدون في النعيم ويكبرون في بحبوحة من العيش... تهرول إليهم الدنيا ويتهاطل عليهم الرخاء والفرح وكل مقومات ومكونات السعادة فيصابون هم أيضا بالإحباط... كأن حياتهم تصبح بلا معنى، بلا روح، بلا تحديات وبلا رهانات لتفقد طعمها وتتحول الى كابوس من نوع آخر... كابوس يصيب بالقرف والتبرّم هو الآخر... ويجعل الحياة بلا هدف... وحياة بلا هدف هي حياة في حكم المنتهية... وعند تلك النقطة يقرّر الإنسان السعيد الغارق في النعيم أن يضع حدّا لحياته وينتحر... وحين نقرأ وصيته نجده قد كتب «انتحرت... من فرط السعادة».
* * *
الحكاية ليست مجرّد مزحة ولا مجرّد خبر عابر مركون في صفحات المنوعات... نقرؤه ونمرّ عليه وفي أحسن الحالات نكتفي بإطلاق بسمة مكبوتة من هؤلاء «المجانين» الذين يهربون من جنّات النعيم الدنيوي ويقرّرون في لحظة انتشاء بخمرة الرخاء والنعيم أن يتركوا كل شيء وراء ظهورهم ويرحلوا...
حكاية الانتحار من فرط السعادة هذه تقيم الدنيا في السويد منذ فترة ولا تقعدها... بعد أن قرّر المئات من المواطنين السويديين وضع حدّ لحياتهم لهذا السبب. وقد أصبحت الظاهرة محيّرة بعد أن وصل عدد المنتحرين من فرط السعادة سنة 2017 الى أزيد من 1500 مواطن، ليخلف رحيلهم المدوّي بواسطة الانتحار لهذا السبب العجيب أسئلة حارقة وحائرة مازال علماء الاجتماع والنفس والسياسيون يجتهدون لإيجاد تفسير أو تبرير لها.
فالمجتمعات والفقيرة منها تحديدا دأب العديد من المواطنين فيها على الانتحار بعد أن تكون قد عصفت بهم رياح الاحباط والتشاؤم... وبعد أن تكون آفات الفقر والتهميش والحرمان قد حوّلتهم الى كائنات «ميتة مع تأجيل التنفيذ».. فيعمدون في لحظات ضعف وهزيمة الى وضع حدّ لحياة بائسة يائسة يعمّها السواد وتنسدّ فيها كل أبواب الأمل والرجاء... فيقرّرون الهروب الى العالم الآخر عالم الموت والسكون الأزلي طالما أنهم لم يجدوا لهم مكانا في هذا العالم الصاخب الشرس الذي يتحول الانسان فيه الى مجرّد رقم... لا يتعدّى وجوده دفاتر الإحصاء والحالة المدنية... أما مشاعره وأحلامه وآماله وطموحاته ومشاكله ومصاعبه فتلك «قنابل» ينغلق عليها ويضيق بها صدره... فلا يجد سبيلا الى تلبيتها إلا بالرحيل.
* * *
وبالمحصّلة فإن النقيضين يقتلان. آفات الفقر والحرمان والتهميش والإحباط تقتل... والسعادة المفرطة تقتل... وكما أن الإنسان في الدول الغارقة في أوحال التخلف يهرب من واقعه المرير الى وضع حدّ لحياة لا أفق لها ولا نقاط ضوء فيها، فإن الانسان في الدول المتخمة بنعيم ولذائذ الدنيا يمكن أن تدفعه السعادة الى حياة بلا معنى وبلا هدف فيقرّر الهروب منها ووضع حدّ لها...
والحكمة هنا أن تبحث الضفتان: ضفة الفقر والبطالة والتخلف والمديونية وضفة التقدم وبحبوحة العيش والرخاء والنعيم اللامحدود عن نقطة التقاء... نقطة تمكّن الدول المتخلفة من صناعة جنّة نعيم ولو في الحدود الدنيا لمواطنيها... جنّة تشدّهم الى الحياة وتشدّهم الى بلدانهم ليشتغلوا فيها ويجعلوا لحياتهم معنى يحول دونهم والانتحار إما شنقا وإما قفزا في البحر... وتمكن المواطنين المتخمين الضجرين من فرط السعادة من أن يجدوا لحياتهم معنى من خلال المساعدة على إيجاد جنّات نعيم تشبه جنّاتهم لدى شعوب ومجتمعات كثيرة يموت فيها الناس باليأس والإحباط.
* * *
كلمة أخيرة: الى كل مواطن سويدي ملّ حياة الرّخاء والنعيم ويفكر في الانتحار من فرط السعادة، هناك في هذا الكون ما يستحق الحياة... وذلك بالمساعدة على زرع الأمل لدى البؤساء... وزرع الأمل لدى الناس هو أسمى وأرقى معاني الحياة... معان تعطي للحياة كل مضامينها وكل قدسيتها... ووقتها لن يموت مستقبلا أي مواطن في أية بقعة من الدنيا... من فرط السعادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.