بعد مُؤتمر الأوراق الخضراء في قمرت يذهب البعض إلى الاعتقاد بأن كرتنا المُصابة بكل الامراض الخطيرة وحتّى «الخبيثة» كفساد التحكيم والتلاعب بالمقابلات تَعيش ربيعا زاهيا في لون تلك البطاقات التي رفعتها الجمعيات لمناشدة الجريء ليعيث خرابا في الساحة. وبعد ساعات قليلة فحسب من جلسة قمرت يأتينا نبأ الانسحاب المرّ لمنتخب الأصاغر على يد المغرب ليستيقظ الجميع من أحلامهم الوردية ويفتحوا أعينهم عن الوضعية الكَارثية للكرة التونسية وهي حَقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار وتعكسها الخيبات المُتراكمة لفرق الشبان التي لم تعد قادرة على مُجاراة نسق منتخبات إفريقيا السوداء ولا حتّى الصّمود أمام الأشقاء. بالأمس عاش أشبالنا على وقع «العُقدة» السينغالية بحجّة التفاوت في البنية الجسمانية والمؤهلات الفردية واليوم ينهار «صِغارنا» ضدّ الجزائر والمغرب ليس في سطيف أوالدار البيضاء وإنّما هُنا في المنستير وعلى أرضية بن جنّات الذي كثيرا ما تَحصّنت به منتخباتنا الوطنية وعرفت على عُشبه حلاوة الانتصارات حتى أن الجامعة أصبحت «تَتبرّك» بهذا الميدان وتَعتبره طالع خير على «النّسور». وبما أن مثل هذه التصوّرات هي مجرّد خُزعبلات فقد كان من الطبيعي أن نتلقى صفعة جديدة في التصفيات المؤهلة ل»كان» أقل من 17 عاما وجاءت الهزيمة ليلة أمس الأوّل ضدّ المغرب لتبعث برسالة قوية للجامعة مَفادها أن زمن المُعجزات ولّى ومضى وأن الجَزاء يكون على قدر العمل لا بالعيش على الأمل وسلك نهج الارتجال. الدرس البلجيكي أن تَفشل منتخبات الشبّان في كلّ المسابقات الدُولية وفي جميع الفئات العمرية فهذا أمر جلل ويطرح أكثر من سؤال حول العمل القاعدي بوصفه المقياس الأهمّ لتحديد المستوى الحقيقي للكرة التونسية كما أن مجال التكوين هو المُحدّد الأوّل لمستقبل منتخباتنا وكذلك جمعياتنا التي فتحت خلال الأعوام الأخيرة باب التوريد على مِصراعيه والغريب أن التعزيزات الخارجية للأندية لم تَعد تَشمل الأقدام الافريقية فحسب بل أن المسؤولين تَهافتوا أيضا على انتداب أبنائنا «المُغتربين» في إشارة صارخة إلى حالة «الإفلاس» في «مَناجمنا» المحلية. ولاشك في أنّ الجميع وقف على أهمية التكوين بعد «الكفّ» البلجيكي في المونديال الروسي ومن المعلوم أن تلك الهزيمة التاريخية التي تَلقتها عناصرنا الدولية كانت على يد جيل «هازار» الذي كان زملاء المساكني قد هزموه شرّ هزيمة في مونديال الأًصاغر عام 2007. وبعد 11 سنة يشارك «هازار» في إمطار الشباك التونسية في مُونديال «الكبار» ويَضيع في المقابل أبناء الكنزاري في الزّحام. وتكمن العِبرة طبعا في أهمية التكوين على المدى الطّويل وحسب الأسس العلمية الدقيقة مع تَطوير المَهارات الفنية والبدنية والذهنية بالطّرق المُتعارف عليها وبمنأى عن «حَرق» المراحل والتأثّر بالنتائج الحَاصلة في أصناف الأشبال وهو ظاهرة سلبية تُعاني منها الجمعيات التونسية بما أن المسؤولين والمُكوّنين يعيشون تحت هَاجس البطولات والكؤوس بدل التركيز على «بناء» اللاعبين «الصّغار» بشكل سليم. الرّجل الخطأ في المنصب الأخطر تدريب الشبّان يحتاج إلى مُكوّنين بمواصفات خاصّة وهو أمر مفقود للأسف في جلّ أنديتنا التي تَتّبع سياسات «رَعوانية» وتصوّرات «تهميشية» لهذا القطاع الحسّاس. وكثيرا ما تَضع الجمعيات هذه الأمانة الثَقيلة بين أيدي «الدخلاء» أوبعض القدماء الذين يَتوهّمون بأن تَجاربهم الميدانية تَكفيهم لصناعة المواهب الكُروية. والأمر لا يختلف كثيرا في منتخباتنا الوطنية بما أن التسميات الصّادرة عن الجامعة اعتمدت على منطق الولاءات والعلاقات لا الكفاءات والمؤهلات وهو ما جعل منتخبات الشبّان تدفع غاليا فاتورة الضّعف الفادح للإطارات الفنية وقد يَطول الحديث عن المدربين الذين ساهموا في «وأد» كلّ الأحلام القارية والعالمية والأولمبية. والقائمة طبعا طويلة وعريضة وتضمّ بن ناجي صاحب نكتة «الفايس بوك» وباشا ومرسي وبن سلطانة والسويح وخنفير والكنزاري وأخيرا وليس آخرا السبتي الشّاهد على خروج الأصاغر ليلة أمس الأول من تصفيات «الكان» بيد فارغة والأخرى فيها السّراب وهو المَصير نفسه الذي واجهه بالأمس فريق الأواسط. مسؤولية الإدارة الفنية مَسؤولية الاخفاقات في منتخبات الشبّان تتجاوز الجامعة و»الإطارات» التدريبية لتشمل الإدارة الفنية التي لا اختلاف في المجهودات الكبيرة لصاحبها يوسف الزواوي لكن هذه الاجتهادات على أهميتها لا تُعفيه من الانتقادات شأنه شأن بقيّة مُعاونيه ومُستشاريه. والحقيقة أن تَكرّر الخيبات في منتخبات الشبان يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن إدارتنا الفنية لها ضِلع في هذه الصَّدمات ومن الضروري أن تراجع الحسابات سواء على مستوى تَعيينات المدربين أوعلى صعيد انتقاء اللاعبين المحليين والمُغتربين وهذا الأمر يحتاج إلى شخصية قوية للعمل بإستقلالية ويتطلّب أيضا فاعلية كبيرة في ملفي التكوين واستقطاب المُهاجرين الأكفاء طبعا وليس أولئك الذين لا أثر لمهاراتهم الفنية إلاّ في حديث وكلائهم وأوليائهم. أزمة عميقة «أزمة» الشبّان والعمل القاعدي عُموما لا تكمن في الفَوضى التَسييرية وضُعف المُكوّنين فحسب وإنّما تُوجد عدّة مُعضلات أخرى ساهمت في حَالة التردي التي يعيشها أشبالنا في المنتخبات والجمعيات. وتتمثّل هذه الصّعوبات في المشكلات المتعلّقة ب»كابوس» البِنية التحتية وقيود التوقيت المدرسي ونقص التجهيزات وضُعف الاعتمادات المرصودة لهذا القطاع الذي كثيرا ما يكون في ذيل الاهتمامات رغم أنّه حجر الأساس في اللّعبة المُتضرّرة أيضا من التجاوزات الحاصلة في «اختبارات» الشبان بعد أن سيطرت على جزء منها الحسابات لتضيع الكثير من المواهب بفعل سياسة «الأكتاف». وتَتوالد في الوقت نفسه «الأكاديميات» الخاصّة والتابعة للجمعيات وقد تساهم هذه «الأكاديميات» في انتاج بعض المواهب الكروية لكن غَالبيتها لها صبغة ربحية مُغلّفة بأهداف رياضية. والأكيد أن الجهات المَعنية أمام حتمية فتح ملف التكوين بصفة فورية من أجل تصحيح المسار قبل فوات الأوان.