... هناك بلدان كثيرة وشعوب عديدة في عالمنا عاشت ثورات ومرت بأحداث مثل تلك التي عشناها ونعيشها الآن... في جنوب افريقيا حدثت ثورة قلبت كل الموازين وهزت كل افريقيا وفي الصين حدثت منذ عقود ثورة قلبت البلاد رأسا على عقب... لكن هذه الشعوب انطلقت بعد الثورة في عملية بناء وتحديث لم يسبق لها مثيل، جنوب افريقيا التي كانت ترزح تحت وطأة الميز العنصري الحاقد وكان شعبها الاسود تحت خط الفقر بدرجات ودرجات بعد الثورة انطلقت في عملية مصالحة وطنية مكنتها من الاقلاع لتكون الآن في أول ترتيب بلدان القارة الافريقية وفي بلدان أوروبا الشرقية التي عانت طويلا وكثيرا من حكم الحزب الواحد والدكتاتور الواحد حققت بعد ثورات ربيعها قفزات وقفزات على طريق التقدم والتطور والرقي الاجتماعي والمادي والاقتصادي... نحن الآن في تونس نحتاج بعد الثورة الى الانطلاق نحو بناء الحاضر والمستقبل لابد ان نعترف أننا للأسف مازلنا نخسر الآن وقتا ثمينا ومازلنا نخسر فرصة حقيقية... إن تونس تحتاج اليوم الى كل أبنائها والى كل الجهود والى كل العقول... هناك تحديات خطيرة نعيشها ليس فقط تلك المتعلقة بالجانب الاقتصادي بل أيضا تلك المتعلقة بالسلوك المدني... لا ندري لماذا تتكرر عمليات العنف والعنف المضاد في أكثر من مكان وأكثر من ساحة وأكثر من مدينة... هل نحتاج الى أن نبقى أكثر نتخبط في دائرة العنف والفوضى وتبادل الاتهامات والبحث فينا عن المجرم كي نحاسبه. إننا نحتاج في تونس اليوم كي نحب بعضنا أكثر ونتضامن مع بعضنا أكثر... بكل أسف استمعت الى عدد من الشبان خلال الاسبوع الماضي في احدى الولايات الداخلية تحدثوا من أعماقهم وقالوا انهم على وشك أن يفقدوا الثقة في المستقبل وفي أن الواقع سيتغير... ظل الأمر على حاله وظلوا الى حد الآن وطيلة الأشهر الماضية يستمعون فقط الى تبادل التهم بين فئات وبين تيارات وبين أحزاب... إن الثورة التي نريدها هي تلك التي تحقق نهضة حقيقية وتجعل من شعبنا متقدما ومن دولتنا دولة عصرية متطورة القانون فيها السيد والعدل فيها أساس العمران...