«أي مستقبل للضمان الاجتماعي بعد 14 جانفي في تونس؟»، هو محور الندوة القطاعية التي انتظمت بمدينة الحمامات تحت اشراف قسم التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية بالتنسيق مع النقابة العامة للضمان الاجتماعي للاتحاد العام التونسي للشغل يومي أمس وأمس الأول 6 و7 ماي الجاري. وتضمّنت أشغال الندوة عددا من المداخلات من قبل أهل الاختصاص في هذا المجال تمحورت كلها في الطرق والمقترحات العملية للخروج بالصناديق من الأزمة. وبالتالي جعل الصناديق مستقلة بذاتها لا ينتفع منها إلاّ المؤجرين والأجراء... وابعادها عن كل الخدمات السياسية التي كانت تنهل من الصناديق في شكل هبات وهي أغراض سياسية على حساب الأجراء والمؤجرين. الثورة تصّحح أوليات البحث تطرق السيد يسير السحيمي (متفقد عام خارج الرتب بالصندوق القومي للضمان الاجتماعي وأخصائي في التأمين) أثناء محاضرته لغرض التمهيد أن الثورة وإن لا تغير محتوى البحوث، بما أن هذه الأخيرة محكومة بآلياتها الأكاديمية، فإنها تصّحح أولوياتها للبحث وتستفيد من الشفافية المأمولة في الحصول على معطيات قريبة من الدقة وتشرك وفقا لمقاييس موضوعية ما لزم من متدخلين، كل في مجاله وحسب طاقته وخاصة حسب صفته. وتطرق المحاضر في المحور الأول من المداخلة إلى أن التشريع والتنفيذ بصفة عامة وفي مجال الضمان الاجتماعي اتسم بنوع من الاقصاء الذي ينطلق من مبدإ علوية (suprématie) المقرّر «السياسي»، «الادارة»، «مكتب الدراسات»، «الخبير الأجنبي». علوية تمارس على المضمون الاجتماعي موضوع القطاع وهدفه، وعلوية تمارس على المشتغلين في وعلى الضمان الاجتماعي. وقد نتج عن هذه العلوية اقصاء المضمونين الاجتماعيين في مشاريع «الاصلاح» وفي تسيير الهيئات. كما ذهب الى أن الضمان الاجتماعي وقع حصره في ميدان «التأمينات الاجتماعية» بينما هو أعمق وأشمل وأن المدخل الرئيسي للضمان الاجتماعي هو المواطنة وليس فقط الانتماء المهني والقدرة على المساهمة واستعرض عينات من التشريع تتسم بالاسقاط وعدم الالتصاق بالخصوصية الشرط الضروري لنجاح أي اصلاح أو تعاقد. كما تطرق الى أن اصلاحاتنا تتسم بضعف الاقناع وعدم الاهتمام بمدى ومستوى الاقتناع للمشمولين بالاصلاح، وفي تخصيص على موضوع الصناديق ذهب الى أن التصرف الرشيد يستدعي عملية اختبار شاملة لمكوّنات النظام ووضعه المالي والتشريعي والبشري. وتحدث بأنه في زمن المجالس العليا لا بدّ من احياء المطلب القديم لمجلس أعلى للضمان الاجتماعي، ومصالحة قيم الكفاءة والمهنية مع قطاع تنتظره استحقاقات حيوية. ابعاد السياسة عن الصناديق السيد سمير ساسي (كاتب عام مساعد للنقابة الأساسية لمصحة العمران)، رأى أن إلغاء التعليمات ورفع اليد على الصناديق هو العقلية الجديدة لما بعد 14 جانفي مصرّحا ل«الشروق» أن الفساد المالي كان ينخر الصناديق سواء من قبل النظام السابق أو هياكل التجمّع والوداديات بالخارج والتي كانت تقبض من الصناديق ومن أموال المضامين الاجتماعيين وذلك في شكل هبات للجمعيات فكانت الصناديق البقرة الحلوب التي ينهل منها الجميع. وما نريده اليوم هو صندوق خاص بالأجراء والمؤجرين فقط. مضيفا: أن صندوق النفقة وبعض الأنظمة الفاشلة والمفلسة لا تلجأ إلا إلى الصناديق كحل أخير على حساب الأجير.. بمعنى أن النظام والقرارات الرئاسية نهلت من الصندوق لخدمة السياسة على حساب الأجير والمؤجر وعلى حساب تفعيل استحقاقات المنخرط. ضمان اجتماعي متوازن وقدم السيد خالد السديري (كاتب عام مساعد للنقابة العامة لصناديق الضمان الاجتماعي)، أنموذجا لاصلاحات أنظمة الضمان الاجتماعي في تونس وتعريفه ومكوّناته والسيناريوهات الممكنة معتبرا أن الأنموذج وسيلة لبناء وتركيز أرضية صلبة لضمان اجتماعي متوازن ماليا واجتماعيا على المدى المتوسط والبعيد، ولمساعدة أصحاب القرار في هذا المجال الحيوي والقريب من مشاغل المؤمنين على استشراف الوضعية المالية المستقبلية للأنظمة والانعكاسات المالية والاجتماعية للاجراءات التي سيتخذونها تفاديا لتعرض أنظمة الضمان الاجتماعي لعجز مالي. الاستقلالية وختم السيد بلقاسم الجمني (الكاتب العام للنقابة العامة للضمان الاجتماعي) برأيه والغاية من هذه الندوة والأهداف التي ترمي من ورائها ردا على سؤال «الشروق»: «أهم ما تطمح إليه الصناديق اليوم هي أن تصبح مستقلة عن السلطة وأن يكون التسيير ثلاثي بين الأجراء والأعراف والدولة (كمراقب) وهنا وبهذه الاستقلالية تعود المؤسسة لدورها الأصلي التي انبعثت من أجله في الضمان الاجتماعي حيث تحولت في النظام السابق الى تضامن اجتماعي تساهم من أموال الأجراء والمؤجرين في منح المنظمات والجمعيات وتمول التجمع. واليوم وبعد 14 جانفي لا سبيل للعودة الى الماضي وصرف أموال الأجراء والمؤجرين على أي نشاط أو هبات خارج الاطار الذي بعثت من أجله هذه الصناديق. التعدّدية النقابية وإجابة عن سؤال «الشروق» حول مدى نجاعة التعدّدية النقابية أجاب السيد بلقاسم الجمني: من «اتحاد الشغل» الى «اتحاد العمال التونسي» و«الكفيدرالية التونسية للشغل» أرى أن هذه التعدّديات تثبت فشلها وأكبر دليل المغرب الذي فشلت فيه هذه التجربة... لكن القانون يقول إن من له أكثر تمثيل هو من يتفاوض، لكن المشكل الحقيقي هنا هو التفرقة. ما ستقوم به هذه التعدّدية النقابية هو اضعاف العمل النقابي فتعود بالوبال على العالم. التعددية ايجابية داخل البلاد، لكن داخل القطاع ستكون سلبية ونجد مثالا لنقابة الصناديق الاجتماعية التي ستتحول الى 3 نقابات. فلفائدة من هذا التشتت؟ وتأكيدا لن تكون الفائدة للأعوان. فالتعدّدية النقابية في أي قطاع من تحول الكل من منظمة الى منظمة وابقاء القطاع قوي، لكن تفرقته وسط القطاع هو ما سيضعفه جدا. أي مستقبل للاتحاد؟ وحول مستقبل الاتحاد ومؤتمره على الأبواب ذكر السيد بلقاسم موقفه الشخصي من كونه يرى أنه لا ينتظر المؤتمر بل يمكن المرور إلى مرحلة تكوين لجنة من داخل الاتحاد من النقابيين المتمسكين بالاتحاد لاعادة بناء الاتحاد من جديد من نقاباته الأساسية الى مكتبه التنفيذي مهما تطلب ذلك من وقت ومن ثم يقع تتويج هذا العمل بمؤتمر عام.