يواجه المنتج التونسي طارق بن عمار هذه الأيام هجمة شرسة في الميدان السينائي التونسي وخاصة من طرف بعض المنتجين المحليين والمتكلمين عنهم. وقد اشتد هذا التهجم في المرحلة التي بدأت بعض الأصوات الثقافية والنقدية تنادي بفتح ملف السينما التونسية وتقييم هذا المجال تقييما موضوعيا من أجل إعادة الاعتبار إلى صورة السينما التونسية التي كان من الواجب أن تكون في قيمة ما تتهيأ له البلاد بعد الثورة من موقع بارز ومشع بعد سنوات من الركود والضعف وتقديم صورة سينمائية تونسية لا تليق بالإمكانات العريضة المادية والرمزية التي تمثلها الطاقات الشابة من مقترحات بديلة لتأسيس سينما وطنية. ولقد اتخذت هذه الانتقادات أشكالا عدّة وصلت إلى حد التخوين والتشكيك في نزاهة هذا الرجل ووطنيته ومست حتى دينه إذ هنالك من يروج على صفحات الشبكة الإجتماعية على أن الرجل يهودي ذوقناعات صهيونية... والمتكلمون عن طارق بن عمار يعولون على عدم معرفة الناس بشكل عام بمسيرة هذا الرجل , وانطلاقا من كل هذا سنحاول في هذه المساحة تقديم بعض ملامح هذه الشخصية التونسية الناجحة الجديرة بالاحترام والتقدير. «كارتغوفيلم»: النجاحات والانكسارات رحلة طارق بن عمار رحلة عجيبة وجديرة بالإهتمام والتأمل. فالرجل المتحدر من عائلة تونسية عريقة كان منذورا بحكم محيطه إلى مستقبل ومسيرة سياسية, غير أن الشاب طارق بن عمار الذي تحصل عام 1970 على ديبلوم في الإقتصاد العالمي من جامعة جورج تاون في الولاياتالمتحدةالأمريكية قرر أن يدخل عالم السينما , فالشاب الذي راكم ثقافة سينمائية عالية لم تكن له طموحات في التمثيل أوالإخراج أوكتابة السيناريوبالقدر الذي كان تفتنه صناعة السينما أي ميلاد الشريط كمنجز مادي وحسيّ, كما أدرك مبكرا قيمة الفن السابع ووظيفته المستقبلية في خدمة بلد صغير كتونس شحيح الموارد وثري بالطاقة على العمل والذكاء. كانت «كارتغوفيلم» شركته الإنتاجية الخاصة التي بعثها عام 1975 أول تحقيق لذلك الحلم الذي سكنه منذ شبابه, وقد تقلب في إطار هذه المؤسسة الإنتاجية كعامل على جميع الجبهات أثناء تصوير الشريط السينمائي وإنتاجه وقد عمل مساعدا وموضبا عاما ومتصرفا ماليا وغيرها من الأعمال الأخرى التقنية. وانطلاقا من هذه الشركة استطاع طارق بن عمار بقدرته الإقناعية وقوة شخصيته إقناع العديد من المخرجين الأمريكيين والفرنسيين والإيطاليين على القدوم إلى تونس وتصوير أفلامهم, وكانت الآفاق تتسع شيئا فشيئا لطارق بن عمار الذي تأكد أنه بالإمكان مستقبلا تحويل تونس إلى قطب سينمائي واسع ومِثر في المنطقة. وطوال السبعينات والثمانينات والتسعينات إلى اليوم أشرف طارق بن عمار على تأمين تصوير وإنتاج وتوزيع العديد من الأفلام الأجنبية. وقد عمل مع عدد كبير من المخرجين في عالم السينما بدءا بستيفن سبيلبيرغ ومرورا بجون يان وألدو مادشوني وزيفريللي وروسيلليني ورومان بولنسكي وهنري فرنوي وجيري شاتزبورغ ولويجي كومنتشيني وماريومونيتشلي وبريان دي بالما وباري لفنسن ووروبار رادفورد وصولا إلى المخرج الفرنسي جون جاك آنوالذي أكمل منذ مدة قصيرة تصوير شريطه الضخم «الذهب الأسود», كما أنه لم ينس إنتاج الأفلام التونسية. وليست هذه المسيرة بالسهلة , فطارق بن عمار عرف إنقطاعات وخسائر لعل من بين أبرزها تبديد نجاحات شركته الإنتاجية كارتاغوفيلم حينما تحمل وحده فشل شريط «القرصان» لرومان بولنسكي إلى جانب ما تعرض له من تهميش وملاحقة أثناء انقلاب الجنرال بن علي على الحكم في تونس, حيث تم تجريد طارق بن عمار من جنسيته نظرا إلى قرابته من المرحومة وسيلة بن عمار زوجة الزعيم بورقيبة... اضطر الرجل إلى المنفى في فرنسا وقطع صحرائه إلى حدود عام 1994 حين ربح قضية ضد الشركة السينمائية العملاقة الأمريكية «يونيفرسال» التي أنتجت شريط رومان بولنسكي, تمكن من الحصول على 14 مليون دولار , وهي حادثة فريدة في مجال السينما العالمية والأمريكية حيث يتمكن فرد من الجنوب من ربح قضية ضد شركة سينمائية ضخمة. هذا الانتصار القضائي والمالي والأدبي أعاد إلى طارق بن عمار الروح ومكنه مرة أخرى من مواصلة مسيرته السينمائية ولكن من الباب الكبير. واستطاع انطلاقا من هذه الخبرة أن يدخل مجال السمعي البصري بعد أن فهم بشكل دقيق أن المعركة السينمائية لا يمكن أن تقاد فقط بالآليات القديمة للسينما ولكن بمعاضدة هذا الفن من خلال الإستفادة من السماء المفتوحة للقطاع السمعي البصري بعد أن عددت الصورة محاملها وطرق اقتصادها. طارق بن عمار واللعب مع الكبار بعد هذه التجربة الأولى في الإنتاج السينمائي أصبح إسم طارق بن عمار منذ سنوات في أوروبا والعالم الغربي بصفة عامة عنوانا للنجاح في مجال الإنتاج السينمائي العالمي وفي مجال الاتصالات الحديثة , وليس هذا العنوان إلا مربكا ومثيرا للغواية خاصة وأن الاسم هو اسم عربي وتونسي تحديدا , أي عنوان لنجاح رجل من الجنوب في اختراق الحواجز العملاقة لمتاهة الاتصال والصورة في العالم الصناعي الغربي القائم على المنافسة والرهانات الجيوسياسية, وهو الأمر الذي قد يخفي مفاجأة غير مرتقبة في أدغال الأعمال. تمرس طارق بن عمار وألقى بكامل قوته ليراهن على موقع تحت الشمس في هذه الساحة المفتوحة على كل المخاطر. سلاحه الوحيد الإقناع والغواية والصبر والثقة والوفاء للصداقات حتى أصبح في فترة وجيزة يلقب ب«باشا الكوم» (Le Pacha de la Com) أي باشا الاتصالات لعلاقاته المتينة بعمالقة الاتصال وصناعة الإعلام في العالم كروبرت موردوخ Rupert Murdoch والوليد بن طلال وسلفيوبرلسكوني وجون ماري ميسيي J- M. Messier وليوكيرش Léo Kirch فانسون بالوري Vincent Bélloré وغيرهم , حيث تدرّج من صفة الخبير المستشار في كبريات الشركات الاتصالية العملاقة إلي الشريك الأساسي في المشهد السمعي البصري في أوروبا والحوض المتوسط. وقد كثف طارق بن عمار كرجل أعمال محنك النشاط في مجال الإنتاج السينمائي والتلفزيوني والاتصالي بعد الانطلاقة الصاروخية التي بدأت عام 2003 حين بدأ مشروع التوسع المذهل من خلال شركته الإنتاجية كوانتا كومينيكشن القائمة على رصيد مالي ضخم يفوق 150 مليون أورو, والتي مكنت من تشغيل أكثر من ألف شخص في مختلف تفرعات هذه الشركة الإنتاجية الأم. وقد استطاع طارق بن عمار أن يكون الشريك الذي لابد منه في المجال السمعي البصري الأوروبي, وذلك بإدارته وإشراف على العديد من القنوات التلفزيونية في إيطاليا وفي فرنسا وبعض القنوات متعددة الجنسيات. وفي درب هذا النجاح المتواصل عدد طارق بن عمار النجاحات حيث حول شركة ميديا سات السمعية البصرية إلى مجمع للمستثمرين العالميين الكبار متعدد الجنسيات خاصة من جهة الجنوب وأصبح طارق بن عمار العنوان الأساسي في عالم المضاربات السمعية البصرية والمهندس الكبير للجغرافيا التلفزيونية في البحر المتوسط وأوروبا والقارة الإفريقية والشرق الأوسط. لكن رغم الموقع لم ينس عالم السينما وتحديدا حلمه القديم الهوليود التونسي. الشغف الأخير: الهوليود التونسي انطلاقا من هذا الوفاء للجذور, وبعد أثبت الرجل مكانته في خريطة السينما العالمية على مستوى الإنتاج الضخم, عمل طارق بن عمار منذ سنوات طويلة لجعل تونس عنوانا للصناعة السينمائية التونسية انطلاقا من إدراكه للإمكانيات العريضة التي تتمتع بها البلاد في الدخول إلى حلبة المنافسة في القطاع السينمائي, ولعل من بين أهم الخطوات التي أقدم عليها الرجل تجديد مخابر قمرت وتحويلها إلى قطب صناعي بكفاءة عالمية عالية الجودة لصناعة الشريط السينمائي وهو المكسب السينمائي الكبير في المنطقة حيث أصبحت المخابر الآن وجهة للسينمائيين الأوروبيين أنفسهم لإتمام أفلامهم على مستوى التحميض والمكساج وغيرها من العمليات التقنية الدقيقة . وإلى جانب الجودة العالية للمخابر أسس طارق بن عمار الأستوديوهات الضخمة للتصوير السينمائي بالحمامات كنواة أساسية لهوليود التونسي, وقد دعمها بإنشاء استوديوهات جديدة في المنطقة الصناعية بن عروس. وفي إطار الجهد استطاعت شركته السينمائية «كوينتا» طوال مسيرتها القصيرة أن توفر مواقع الشغل للعديد من العاملين التونسيين في قطاع السينما سواء من التقنيين أوغيرهم, والأهم من ذلك أن طارق بن عمار الذي أصبح أكثر إيمانا بمستقبل الصناعة السينمائية في تونس بفضل ثورة 14 جانفي وانكسار الحواجز البيروقراطية , وهوالآن بصدد إعداد برنامج واسع لتمويل المشاريع السينمائية التونسيةالشابة خاصة وأن جيلا جديدا من السينمائيين لم يتمكنوا من تحقيق مشاريعهم نظرا للسياسة السقيمة في الدعم السينمائي الذي كانت تنتهجه وزارة الثقافة في عهد الجنرال بن علي والذي يسيطر عليه بارونات صغار تحت الوصاية والزبونية الثقافية.