بقلم: يوسف الحنّاشي (باحث جامعي وكاتب) الآن وقد أخذت الحياة العادية للمواطن التونسي تعود شيئا فشيئا الى مجراها الطبيعي برزت ظاهرة عارمة تهدّد هذا المنحى الاستقراري وتلوّح بالرجوع الى الفوضى والغرق فيها لا قدّر اللّه وتتمثل في المطالبة برفع الأجور والترسيم والمنح والقوانين الأساسية وغيرها.. هذه المطالب وهذه الاعتصامات مسّت تقريبا كل القطاعات بما فيها الأجور الضعيفة والمتوسطة والمرتفعة.. وفي خضّم هذه الموجات الجديدة المتدفقة من هنا وهناك نسي أصحابها ومحرّكوها ومحرّضوها القضية الجوهرية التي كانت سبب اندلاع الاحتجاجات والثورة المباركة أي تشغيل ضعاف الحال وخاصة من الجهات المهمّشة كسيدي بوزيد والقصرين وقفصة والكاف وسليانة دون اهمال جيوب أخرى كالعاصمة تونس وبعض المدن الكبرى.. كما نسي ضرورة بعث التنمية الجهوية والمحلية تدريجيا حتى تؤدي الدورة الاقتصادية إلى خلق ديناميكية تشغيل لأبناء هذه الجهات.. إنّ الوعي الجماعي يفرض كل تونسي وطني وغيور على مسار بلاده التضحية بمطالب زيادة كمشة من الدنانير تضامنا مع ضعاف الحال والمدحورين.. ولقد لفت الخبير الاقتصادي والنقابي الأستاذ حسين الديماسي الى تراجعات مداخيل الاقتصاد الوطني والفجوة التي تتعمق بين الصادرات والواردات على حساب عجز كان يناهز 30٪ ليرتفع أكثر.. ونذكر الرأي العام الوطني أن ميزانية الدولة التي تتوزع على مؤسسات الشعب تتلخص في التالي: مداخيل عن بعض الصناعات المصدرة وبعض الانتاج الفلاحي المسموح به في السوق الأوروبية ومداخيل السياحة والأداءات ومساعدات دول.. ومقابل ذلك ضرورة التصدي لارتفاع أسعار مواد محتكرة عالميا منها خاصة النفط والغاز والحبوب والسكر والقهوة والزيت الغذائي الخ.. وسجل صندوق التعويض رقما قياسيا له.. إذا تقلص نصفه مكّن دون شك من تشغيل آلاف من الشباب العاطل عن العمل.. ورغم ذلك فقد دعت الحكومة المؤقتة الى مراجعة عامة للأجور.. إنّ المصلحة العليا للوطن تستوجب تفهم الوضع وتأجيل المطالبات الىحين تستقر الأوضاع وتتضح الامكانات ويقع انصاف ما يستوجب الانصاف عاجلا.. لهذه الأسباب نوجه نداء حارا الى قلب الوطن الكبير.. القلب الذي تحمّل الويلات والمصائب والجراحات قادر على إخلاء بقعة فيه الى منزلة أولئك المحرومين المهمشين إخواننا وأخواتنا في العقيدة والدم والحسّ الوطني.. نداء إلى ضمير الأحرار القادرين على الصبر والرحمة لفائدة المستضعفين والمعذبين في وطننا.. لنضمّد جراحنا ولنؤكد للعالم أن التونسي يمتلك وعيا يشدّه إلى أرض وطنه الطيبة وإلى كل محروم في حاجة الى انتشاله من فوهة اليأس.