٭ من مبعوثنا الخاص: علي الخميلي ٭ الحوض المنجمي «الشروق»: إذا حرصت وزارة الصناعة والتكنولوجيا وبعض الوزارات الأخرى على توضيح بعض النقاط والمحاور التي تخصّ الحوض المنجمي دون أن تتجرأ على زيارة هذه الجهة المناضلة و«المنكوبة» التي ظلت محرومة من أبسط السبل الحياتية وذلك للوقوف على الحقائق عن قرب فإن «الشروق» تواصل توغلها في ثنايا هذا الملف الجوهري وذلك في قلب «الحوض المنجمي» من أجل مزيد كشف المستور والدعوة لتجاوز اشكالات وأزمات هذه الجهة العريقة بصفة جذرية وعميقة والمساهمة في تقديم المقترحات التي يتوجه بها أبناء المناجم بكل وعي ونضج. ولأن «أم العرائس» تستحق حلقة أخرى وحتى أكثر وربما وبدورها تستحق المجلدات للإشارة إلى بعض مشاغل أبنائها فإننا نعود لاستجلاء آراء أهاليها ومقترحاتهم التي تعتبر والحق يقال موضوعية ومشروعة. قد لا يعجب كلام المستجوبين البعض من الذين يقول عنهم شباب أم العرائس كما الشأن في المتلوي وفي الرديف وفي المظيلة بأنهم «أعداء الثورة» غير أن المسألة لا تفسد للودّ قضية خاصة أن الرجال مواقف وعند الشدائد تكون مواقفهم حتى وإن يتقن البعض عملية ازدواجية الخطاب لتتجلى حقيقة خطورتهم على «جيل الثورة» ومرحلة ما بعد 14 جانفي 2011 وهو ما استهل أحدهم حديثه معنا مضيفا بأن أم العرائس وإن كره الكارهون كانت في فترة الاستعمار المباشر أفضل بكثير من فترات ما بعد «الاستغلال» التي قيل إنها استقلال خاصة أن كبار السنّ وبعض بقايا ورواسب المستعمر الفرنسي تؤكد ذلك وتترجم مدى إهمال النظامين البائدين لبورقيبة وبن علي لهذه المنطقة العريقة والشامخة التي امتصّا خيراتها كاملة وتركا أم العرائس في ظروف عسيرة جدّا ومن الصعب ترجمتها على الورق وتدوينها على أعمدة الجرائد وهو ما كان الزميل والصديق محمد الطاهر براهمي قد أكده لنا قبل رحلة الغوص في الحوض المنجمي وفي أم العرائس بالذات باعتباره أصيل المنطقة وأحد الذين ظلوا إلى جانب الكثيرين من أبنائها ينادون بالاهتمام وردّ الاعتبار إليها على غرار الدكتور الأستاذ زهير ابراهمية والصديق طارق الذيبي والفنان صالح التومي وغيرهم. مشاكل بالجملة.. بداية التحقيق انطلقت مع محمد السعيدي وهو رئيس حضيرة حيث أشار إلى عديد المشاكل في هذه المنطقة الشامخة مبرزا إلى اللامبالاة تجاه بعث مؤسسة «الاسمنت» ومحطة التطهير التي رصدوا إليها ميزانيتها منذ سنة 2008 وعدم تسوية وضعيات أراضي «عمدان» الفلاحية ومنطقة العبور الحدودية المنسية «جنان خروف» بالسراقية البعيدة عن المدينة (15 كلم) فقط والتي لا تبعد عن المنطقة الجزائرية أكثر من (70 كلم).. مشيرا إلى الكارثة البيئية التي تعيشها أم العرائس بسبب القنوات المهترئة والعمل الذي اعتمدوا فيه «الغش» تاركين مياه الفواضل المتعفنة وكريهة الروائح جارية في الشوارع والأزقة والأنهج.. كما تحدث السعيدي عن المعمل الذي ضخموه وقالوا إنه سينقذ أم العرائس من البطالة وهو معمل «يازاكي» لم يستقطب أكثر من (350) رغم ما وفروا له من أراض مجانية وغياب الجباية وحمايته منها مبرزا أن هذا المعمل لا يدفع أكثر من (80 دينارا) وتدعمه الدولة عبر صندوق (SIVP) بمثل هذه القيمة حتى تصبح الجراية (160) دينارا فقط. لا نور كهرباء ولا ماء.. ولا حياة..؟؟!! العيد السعيدي أشار إلى أن وضعية منطقة فطناسة التي تعيش فيها أكثر من (15) عائلة وهي على بعد (9 كلم) من أم العرائس غير أنها ظلت منسية ويعيش أهلها حياة بدائية حيث لا ماء صالح للشراب ولا نور كهربائي رغم أن محطة الكهرباء قريبة مضيفا بأن كل عائلة تستهلك وتدفع ما قدره تقريبا (13 دينارا) ثمن الشمع وأنه شخصيا يعيش وعائلته المتركبة من (6) أفراد في بيت واحد وهو ما سانده حوله عبد المجيد الساعي الذي أكد أن منطقته «سيدي بوبكر» تعيش نفس الظروف بلا ماء ولا كهرباء مما يجبر أبناء سيدي بوبكر على اعتماد الصهاريج وشراء المياه بأسعار مرتفعة والحال أن الفقر مدقع والبؤس مسيطر وبشكل كبير دون أن يتدخل أي كان وأي صندوق على غرار صندوق الأكاذيب المسمى ب (26/26).. مثل هذه المشاكل التي تؤكد أن مدينة أم العرائس والمناطق المجاورة لها مثل الحشانة والدوارة وفطناسة وسيدي بوبكر وغيرها تعيش وكأنها في كوكب منسي لا يمت للبلاد التونسية وفي بداية القرن قبل الماضي على الرغم من مساهمة أبناء هذه المنطقة في الاقتصاد الوطني.. شركة الفسفاط لم تف بوعودها.. والحقوق معدومة الأزهر السعيدي قال ان وضعية «البطال المعدوم» الذي لا شهادة علمية ولا شهادة علاج ولا جراية ولا أي شيء على غرار حالته المزرية مضيفا بأنه منذ ولادته لم يحصل على جراية ولم يتمتع بأي حق على الرغم من أن عائلته متركبة من خمسة أفراد منهم من هو جامعي من الأبناء ومع ذلك ظل مهمشا ولم تتدخل السلط لمساعدته ولا الاهتمام به ومقابل ذلك أكد أحمد العيساوي أن متساكني أم العرائس مازالوا يتذمرون من أغبرة وضجيج الشاحنات الناقلة للفسفاط حيث وفي فترة سابقة تم اقتراح توفير أرض لشركة الفسفاط على ملك المواطنين لجعلها طريق مقابل حفر بئر لهم وتشغيل أبنائهم ولكن شركة الفسفاط وان استجابت لحفر البئر التي تم غلقها منذ (10) سنوات فإنها لم تشغل أبناءهم وبالتالي لم تف بوعودها رغم توفر محضر الجلسة. «الشهيد الحيّ» البشير برهومي تحدث بحماس مؤكدا أن الحديث يتضخم دائما حول الشهداء الذين يترحم عليهم جميعا غير أن حظّه المنكود جعله لا يموت شهيدا بقدر ما يعتبر نفسه شهيدا حيا باعتباره انقطع عن التعليم مبكرا وظل معطلا عن العمل منذ ولادته إلى سنة 2008 وإثر انتفاضة الحوض المنجمي حيث تم تشغيله في الحضيرة والحال أن عائلته متركبة من ستة أفراد منهم طفل متعدد الإعاقات وعمره عشر سنوات دون أن يجد أي اهتمام على الرغم من أنه ظل يوفر الوثائق تلو الأخرى لفض إشكاله ولكن دون جدوى قبل أن يقترحوا عليه انتظار وفاة أحد العجائز والشيوخ ليعوضه ابنه على مستوى بطاقة العلاج ولكنه ورغم أن (80) شخصا توفوا من المعوزين منهم (50) شيخا و(30) امرأة عجوزا وكان يدون أسماءهم كلهم ولكنه لم يجد حظه وكلما كلمهم وبالحجج والبراهين والوثائق وعدد الوفيات إلا وتجاهلوه وبالتالي فإنه يسمّي نفسه «الشهيد الحيّ».. وهو ما يسانده فيه إبراهيم البرهومي المتركبة عائلته من ستة أشخاص وكبير أبنائه عمره (26) سنة ولكنه ظل فقيرا وبلا مساعدة ولا حتى مجرد اهتمام له ولعائلته. البطالة دمّرتنا والنظام البائد تجاهلنا الشباب في أمر العرائس تكلموا بصوت واحد مؤكدين أن البطالة دمّرتهم والنظام البائد تجاهلهم تماما حتى شعروا وكأنهم من دولة أخرى مضيفين بأن الحالة لا تستوجب غير التدخل العاجل لإنقاذهم وهو ما أكده أيضا رفيق السعيدي ومحمد الوردي العيساوي مشيرين إلى أنه وإلى جانب البطالة التي تعتبر معضلة كبرى لا بد من البحث عن سبل التنمية في أم العرائس المنسية حيث الوضع الصحي المتردي جدا رغم انتشار الأمراض والأوبئة والتلوث وخطورة العمل.. كما أشارا إلى النقل والمواصلات والبنية التحتية والنقل الحديدي وخاصة عبر الصويطير والقصرين الذي تم إلغاؤه منذ بداية السبعينات وكذلك آبار منطقة البركة التي تم استغلالها من قبل شركة الفسفاط وعند محاولة استغلالها للفلاحة طلبت منهم مندوبية الفلاحة التمويل الذاتي كما تحدث الوردي العيساوي عن مليارات التعاونية الطائلة التي مازالت دون تفعيل شفاف مبرزا أن الضرورة تستوجب احداث شركة نقل منافسة لشركة القوافل التي تنال المليارات من شركة الفسفاط وذلك على حساب العمال سنويا ولكن دون فاعلية ولا جدوى مبرزا أنه حان الوقت أيضا لإنجاز سدّ تبقى فيه المياه في المنطقة الفلاحية دون تركه ليتحول إلى شط الغرسة دون جدوى كما أنه لم يتردد في التأكيد أن مادة «كادميوم» في الفسفاط مؤثرة صحيا دون أن يعيرها أي كان أي اهتمام وهو ما جعل الأمراض تنتشر فضلا عن تناثر (800) طن من الفسفاط سنويا في الفضاء بأم العرائس ويسبب التلوث البيئي نتيجة لانتصاب المغسلة وسط المدينة وبالتالي لا بدّ من نقلها إلى خارج أم العرائس التي يعيش مواطنوها الأمرين على غرار نوعية الماء صيفا بسبب المائدة المائية لتابديت المتأثرة بتراكمات فضلات الفسفاط والذي يفرض على الناس شرب المياه المتعفنة فضلا عن المناطق الأثرية المهملة والتي كان من المنطقي استغلالها سياحيا.. كما تحدث بعض الشباب من المتحصلين على الشهائد في التكوين المهني والذين لم يجدوا غير الرفض رغم اختصاصاتهم المتعددة.