مرة أخرى تخرج اسرائيل على العالم بتشريعات وأحكام تسير في الاتجاه المعاكس تماما للعرف والقانون الدوليين، ومرة أخرى تؤكد حكومة الاحتلال ان رؤيتها للتسوية نابعة من مشروع توسعي صهيوني لا مكان فيه لمفهوم السلام ولا التعايش مع الفلسطينيين، بل إن شعاره وهدفه الأساسي إلغاء الوجود الفلسطيني والقضاء على جميع المنافذ المؤدية الى احتمال قيام دولة فلسطينية ولو بمواصفات لا يقبلها أشد المتفائلين والمراهنين على خيار التفاوض. فالقانون الذي أقرّه الكنيست الاسرائيلي بالقراءتين الثانية والثالثة، وينص على أن أي انسحاب من الجولان السوري المحتل أو القدسالمحتلة يجب ان يصادق عليه في الكنيست أولا ثم يجري استفتاء عام بشأنه ينطوي على قدر كبير من الخطورة، ويوجه ضربة قاصمة لما يُسمى جهود السلام بل إنه يلغي مفهوم السلام نهائيا ويُعدم كل جدوى من المضي في هذا الطريق وهذا القانون الذي وصفه أحد النواب العرب في الكنيست بأنه «اختراع اسرائيلي لا مثيل له في العالم ولا في التاريخ» يعكس درجة التطرف التي بلغتها حكومة بنيامين نتنياهو ومنطق «اللامنطق» الذي تتعامل به هذه الحكومة لتسوية وضع أراض اغتصبتها وكان يُفترض ان تعيدها الى أصحابها بقوة القانون الدولي، فالمتعارف عليه في حالات الاحتلال أن الشعوب التي تقع تحت الاحتلال هي التي يجري استفتاؤها لتقرر مصيرها، أما اليوم ومع هذا القانون الاسرائيلي الجديد فإن الحديث يجري عن استفتاء المحتلين ليقروا مصير المناطق المحتلة ومصير الشعب الرازح تحت الاحتلال، وتلك قمة الاستهانة بهذا الشعب وبالقوانين الدولية التي يفترض ان تبت في هذه المسألة لأن المناطق المحتلة يسري عليها القانون الدولي وليس القانون الاسرائيلي ولا يحق اطلاقا للكنيست أو غيرها من الجهات المشرّعة في اسرائيل ان تقرّ قانونا في هذا الاتجاه وهذه حجة ثانية تؤكد بطلان هذا القانون. ثم إن القانون الاسرائيلي الجديد يغلق الباب أصلا أمام اي اتفاق يمكن ان يجري الاستفتاء حوله، فهو قبر لأي تسوية وهو يعني أيضا ان حكومة نتنياهو ستفرض على الحكومات المتعاقبة من بعدها العمل وفق هذا المنطق الذي لا يجلب سلاما ولا أمنا ولا حتى الحد الأدنى من الظروف المهيأة للتفاوض من أجل التوصل الى اتفاق سلمي. بهذا القانون الجديد تكون اسرائيل قد وجّهت الرد المنساب على النداءات المتكررة لوقف الاستيطان ولو مؤقتا من اجل الدفع بمفاوضات السلام الى الأمام وتكون قد وجّهت رسالتين الى الإدارة الأمريكية والى السلطة الفلسطينية لتقول إن مسار التسوية يُرسم وفق الارادة الاسرائيلية ولا أحد بحق له التدخل فيه ولتؤكد للمرة الألف أن ما يسمى السلام واستحقاقاته آخر اهتمامات هذه الحكومة... وليت اللاهثين وراء أوهام المفاوضات يفهمون الرسالة.