لم تتجاوز المرأة حسب الإحصائيات المتوفرة لدينا ال20 بالمائة بمواقع القرار ولئن تعتبر هذه النسبة محترمة مقارنة بعديد الدول الأخرى لا سيما منها العربية فإنها تظل دون المأمول قياسا بما يتوفر من كفاءات نسائية ببلادنا من جهة وقوانين وتشريعات رائدة تساعد على ولوجها إلى مواقع القرار وتفعل مشاركتها في الحياة العامة من جهة أخرى. والسؤال كيف يمكن تعزيز تواجد المرأة بمواقع القرار ؟ وماهي العراقيل التي تحول دون ذلك ؟ وماذا يطرح الخبراء والمختصون كبدائل للوضع الحالي؟ هذه الأسئلة أمكن ل«للشروق» الإجابة عنها من خلال الحديث إلى بعض الخبراء والمختصين نساء ورجالا وذلك على هامش الدورة التدريبية التي نظمها مؤخرا مركز محمد علي للبحوث والدراسات والتكوين بالتعاون مع « إنتر نيوز». الوضع الحالي لا أحد ينكرأن المرأة التونسية لا تنقصها الكفاءة ولا القدرة على حسن التسيير حيثما تم تكليفها بأي مسؤولية مهما كانت جسامتها فهي الوزيرة باقتدار وهي كاتبة الدولة عن جدارة وهي كذلك الرئيسة المديرة العامة التي نهضت بالمؤسسة وطورتها وهي رئيسة المنظمة التي غيرت الكثيرمن العقليات وساعدت على تخطي العقبات. وتباينت خلال السنوات الأخيرة نسب النجاح بين الإناث والذكور حيث ناهزت نسبتهن ال60 بالمائة بالجامعة مما سيزيد من نسبة الكفاءات النسائية مستقبلا ويهيئ الأرضية لارتفاع نسبة حضورهن بمواقع القرار لكن هذا لا يمكن أن يكون إلا حسب الأستاذة مفيدة بلغيث ( محامية ) بالعمل على تغيير العقليات والقطع مع الصورة الإجتماعية التي إنحصرت داخلها المرأة والتي تتمثل في أنها ليس لديها الوقت لتقلد المسؤوليات الكبرى لأنه الأولى بها العناية بالأبناء والمنزل وأنها غير كفأة إلخ... وذكرت أن الغريب في الأمر أن المرأة في حد ذاتها سقطت في الفخ الذي وضعه لها المجتمع وأصبحت تعتبر أنها غير قادرة وأنها بحكم مسبق منه لا تملك الجرأة على ممارسة المهام الكبرى وهي كذلك المسؤولة الأولى على تربية الأبناء. وأضافت أن القوانين أيضا ولئن كانت من أفضل القوانين والتشريعات الموجودة على مستوى عربي وحتى دولي فإن هناك بعض النقائص التي يجب الحديث عنها كاللقب العائلي والولاية على الأبناء. وأشارت من جهة إلى أنه لا ينبغي العمل على تغيير القوانين بل كذلك تغيير العقليات حتى في مستوى تطبيق القوانين لأن القاضي أحيانا تكون له صورة نمطية على المرأة يحكم من خلالها خاصة في قضايا العنف ضد النساء. واعتبرت أن بإسقاط حق المرأة في التتبع ينتهي كل شيء كذلك في تعنيف زوجها لها ليس جيدا . النوع الإجتماعي وأفادت السيدة ثريا العمري خبيرة في مجال التكوين والحقوق الإنسانية للنساء ورئيسة جمعية الإنطلاقة النسائية بالمغرب أن تواجد المرأة في الفضاء العام من المواضيع الهامة جدا ليس في تونس فقط بل حتى في الدول الأوروبية. وقالت مثلا في المغرب نحن نعمل على تحسين نسبة تواجد المرأة في الفضاء العام ونعني بذلك المشاركة السياسية وكمترشحات في المجالس التشريعية كالبرلمان والمجالس الجماعية حيث تقدر نسبتها حاليا ب10 فقط في البرلمان والطبيعي أن تصل إلى 50 بالمائة. وذكرت أن المجتمع المدني الذي يدافع عن حقوق الإنسان والجمعيات النسائية أن تشتغل بوسائل حديثة لتعزيز تواجد المرأة بمواقع القرار وضرورة العمل بمقاربة النوع الإجتماعي لأنه مدخل أساسي لتغيير العقليات . ومقاربة النوع الإجتماعي ليس كما يشاع أنها «جنساوية» تعتمد على إيجاد مساواة جنسية بين المرأة والرجل بل هي منهجية وآلية من آليات العلاقات الإجتماعية تفضي بأن الفرق الوحيد بين الرجل والمرأة هو طبيعي بيولوجي. واعتبرت أن قدرات المرأة ليست محدودة بل هي مكبوتة وبالتالي هي قادرة على تسيير منشآت كبرى وتكون أمين عام حزب وغيرها من المهام. وقدمت كمثال الأحزاب السياسية المفروض أن يعملوا على توفير نسبة 10 بالمائة كتمثيلية نسائية إلا أن البعض منها لا يتوفر على أكثر من إمرأتين إلى جانب وضع نظام عمل يقصي المرأة كالإجتماعات المتأخرة ليلا وهي كلها عوائق تحول دون أن توفق المرأة بين عملها واسرتها . وأشارت إلى أن ربط المرأة بالكوتا أو الحصة يجب أن تتم مراجعته فهي من حقها أن تكون متواجدة بالنسبة التي فرضتها الكفاءة. عدوّة نفسها وأفاد السيد حبيب قيزة مدير مركز محمد علي للبحوث والدراسات أن الهدف من تنظيم هذه الدورة هو المساهمة في تفعيل مشاركة المرأة في الحياة العامة. وأضاف أنه لتكون فاعلة يجب أن تكون ملمة بواجباتها وحقوقها لذلك أخذ المركز على عاتقه تكوين المجموعة الأولى لتكوّن بدورها مجموعات أخرى تصل إلى 100 مشارك ومشاركة. وحول رأيه في وضع المرأة التونسية أفاد أنه بفضل مجلة الأحوال الشخصية وضعها أفضل من وضع الكثير من النساء سواء في مستوى الحقوق أو المشاركة في مواقع القرار الذي قد يتجاوز 20 بالمائة. وقال: ولكن يظل هذا دون الطموحات فنحن نطمح إلى 50 بالمائة فمن غير المعقول أنه مرت سنوات عديدة على صدور مجلة الأحوال الشخصية ولم تتجاوز مشاركتها في الحياة النشيطة 28 بالمائة. وأضاف أن ذلك مرتبط بحل المعضلة الأساسية المتمثلة في تمزقها بين المنزل والعمل. وأضاف أنه في بعض الجوانب لا بد أن تعي المرأة بحقوقها كذلك لأنه أحيانا المرأة تكون عدوة نفسها مثلا أنا ضد قضية الحجاب لكن يجب فهمها والبحث في كيفية تغييرها. وختم: «نحن ننتمي إلى المجتمع المدني ونظرتنا مسؤولة وعملنا يرتكز على الأبعاد الإجتماعية للتنمية والمرأة ركيزة أساسية في ذلك. وقال الأخصائي في علم الإجتماع عبدالستار سحباني أن المساواة بين المرأة والرجل أصبحت كارثة لأنها أثقلت كاهلها وصارت مقسمة بين المنزل والعمل وبالتالي المساواة التي عملنا من أجلها كبلتها وحالت دونه ودون رؤية الأبواب وبالتالي لا بد من إعادة النظر في كل هذا لأننا بهذه المساواة أردنا نفعها وليس الإضرار بها والمساواة ليست في العمل والخروج للشارع فحسب بل كذلك في تقاسم الأعباء . وأضاف أنه هناك سبب ثقافي جعل المرأة عدوة للمرأة وذلك نتيجة التنشئة الإجتماعية ولد إستبطان المرأة لصورتها كمرأة وحال دونه ودون أن تفكر في بلوغ مواقع القرار. وذكر أن مفهوم «الجندر» يعني كيف ندرس واقع المرأة دون السقوط في الحركة النسوية التي تجعل الرجل في موقع العداوة وكيفية التعامل من خلال المساواة ليس في كل شيء لأنها مرأة تحمل خصوصيات المرأة . وختم بأن تعزيز تواجد المرأة بمواقع القرار يستوجب العمل بإلغاء الحصة « الكوتا» والعمل من القاعدة الأولى حتى تصل المرأة بطريقة آلية.