رغم التطمينات الأوروبية الأخيرة لتركيا بشأن الانضمام الى النادي الأوروبي فإن أداء الاتحاد الأوروبي في هذا الباب لا يزال مهزوزا ومتذبذبا ولا يتناسب ولا يتناسق مع حجم الخطوات التي تقطعها أنقرة من أجل استيفاء الشروط التي وضعها الأوروبيون ومن أجل استكمال مسيرة الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي جعلت منها حكومة رجب طيب أردوغان شعارا وباتت لدى الأتراك ضرورة ومنهجا.. والأخطر من ذلك أن مستوى التجاوب الأوروبي لا يزال بعيدا جدا عن مستوى الثقل الذي باتت تمثله تركيا في المنطقة وعن أهمية الدور الذي تمارسه ديبلوماسيتها من أجل أن تكون لا جزءا من الحل فحسب بل مفتاح الحل بعينه لقضايا عديدة تهمّ جوارها الشرقي كما جوارها الأوروبي. خمس سنوات من المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي مازادت الأوروبيين إلا قناعة بأنه لا يمكن تصوّر الاتحاد دون تركيا وبأن الاتحاد الأوروبي يحتاج تركيا أكثر مما تحتاجه هي، وما زادت الأتراك إلا اقتناعا بأن الأوروبيين يقولون ما لا يفعلون ويُبطنون غير ما يظهرون وبأن قضايا ذات خلفيات أعمق من الاصلاحات تقف حاجزا أمام انضمام أنقرة الى الاتحاد الأوروبي أهمها انفتاح أنقرة على قوى إقليمية أخرى لا تتوافق من حيث المنهج والتوجّه والسياسة الخارجية مع دول الاتحاد الأوروبي مثل سوريا وإيران، وأخيرا الصين، التي أجرت تركيا معها مناورات مشتركة، وبات تعاظم دورها وتوثيق صلاتها بتركيا يزعج لا الأمريكيين فحسب بل حتى الأوروبيين. والمتأمل في خطابات بعض المسؤولين الأوروبيين والغربيين عامة يلاحظ هذا التناقض بين ما يقوله هؤلاء وبين السياسة المتبعة تجاه أنقرة حتى أنه يسهل على المرء إدراك أن ثمة حلقة منقوصة، و شيئا ما يرفض هؤلاء المسؤولون الافصاح عنه، فهذا يرى أن اتحادا أوروبيا موسّعا لا يمكن أن يستثني تركيا، وهو الذي ضمّ من قبل دولا أقل تأثيرا ونفوذا وتطورا اقتصاديا وسياسيا من تركيا، وذاك يعتبر أن مواصلة الاتحاد الأوروبي لا بدّ أن تشمل أوروبا والآخر يقرّ بمكانة تركيا فيعتبر أنها الوسيط الأفضل لإحلال السلام بل منهم من ذهب الى أن الشرق والغرب في حاجة الى تركيا حاضرا ومستقبلا كما احتاجاها في الماضي. ومثل هذه التصريحات وغيرها إن تكن مرفوقة بسياسة عملية منفتحة على أنقرة وبنوايا صادقة في ضمّها الى فضائها الأوروبي الذي يمثل امتدادا سياسيا وجغرافيا وتاريخيا لها، تفقد الكثير من بريقها.. وربما لهذه الأسباب بدا أردوغان في آخر خطاباته غاضبا غير قابل لهذا المنطق، وقد كان صريحا حين خاطب الأوروبيين بالقول «اعطونا الجواب، ولا تتركونا ننتظر»، فتركيا مؤمنة بأنها جزء من الاتحاد الأوروبي وإن قوبلت مساعيها بالصدّ والتجاهل ووضع العراقيل وقد بدت مصمّمة على المضيّ في هذا النهج لأنها على قناعة بأنه سيأتي اليوم الذي يعبّر فيه الأوروبيون عن ندمهم على سياساتهم هذه ومماطلاتهم بل سيأتون صاغرين طالبين ودّ أنقرة لحل مشاكلهم وتسيير شؤونهم مع الحلفاء والأعداء.