كلّ من أنصت الى خطابهما السياسي ومواقفهما من مجمل القضايا التي تهزّ لبنان إلا وأيقن أنهما يمثلان خطّين متوازيين لا يلتقيان أبدا... سواء على مستوى المنطلقات أو الغايات أو الادوات. وئام وهاب... وسمير جعجع... سياسيان لبنانيان يشكلان بصدق حجم التنافر والتباين الذي استبد بالمشهد السياسي اللبناني ولايزال... منذ أن صارت بعض المواقف تطبخ في غير مطابخ بيروت وصيدا وصور وتوضع في شكل حلقة من حلقات الشرق الأوسط الجديد الذي وُلد جثة هامدة على الرغم من كل محاولات إنقاذه. في مثل الوزير اللبناني السابق وئام وهّاب ورئيس الهيئة التنفيذية لحزب القوات اللبنانية سمير جعجع تعجز الألسن عن ذكر الفروق وحصر الاختلافات، كما تعجز أيضا عن تحديد القواسم المشتركة. عديدة هي التباينات، بدءا بالتحالفات (وهّاب) عنصر أساسي في فريق المعارضة «8 آذار».. والثاني الركن الجوهري لفريق الأغلبية «14 آذار».. مرورا بتصورهما للدور السوري داخل لبنان سواء أكانت القوات السورية متمركزة في التراب اللبناني أم كانت بعيدة «قلبا وقالبا» عن مراكز صنع القرار في بيروت.. وليس نهاية بموضوع سلاح «حزب اللّه» وبثلاثية المقاومة والجيش والشعب.. وبموضوع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. إزاء هذا التضاد.. المتغلغل في الرؤى والتمثلات والمتجذر في التاريخ وحتى الجغرافيا أيضا.. لن يكون من الغريب أن يتبادل الطرفان الاتهامات حول القرار الظني للمحكمة الدولية والذي حسب كل التقديرات سيوجه أصابع الاتهام لحزب اللّه بتصفية رفيق الحريري.. ولن يكون من العجيب أيضا أن يرى وئام وهاب في القرار خطوة نحو ادخال البلاد في أتون حرب أهلية وقودها «الطائفية» والاصطفاف السياسي واستحضار شواهد مؤلمة من التاريخ المعاصر للبنان.. فيما يعتبر جعجع أنه خطوة نحو الحقيقة وكشف قتلة رفيق الحريري. ولن يكون من المستحيل أيضا أن تزيد الأحداث والآلام المتربصة بلبنان من حدّة تنافرهما السياسي وقد تبلغ حدّا لن تستطيع أيّة مصالحة أن تجسر هوّة تضادّهما مهما كانت نفوذ الوساطة. وهّاب.. وجعجع.. طريقان متباينان.. وطرحان سياسيان متضادّان لا يوجدان في مناخ سياسي واحد إلا في لبنان حيث يصبح للتناقض طعم خاص به وحيث لا يزال التنوع مهما كان نوعه ومهما كانت طبيعته السمة البارزة في هذه البلاد. لا أحد في لبنان أو آخر يدرك تداعيات التلاسن الحاصل بين الدرزي وئام وهاب والمسيحي سمير جعجع.. ذلك أن معرفة طبقات التباين وحجمه الحقيقي تؤكد أن خطر الانقسام يتهدّد بالبلاد.. وأن الحلّ الوحيد قد يكمن في تحويل لبنان الى «لبنانيين» إذا لم تساعد الأحداث الآتية في تقليص الهوة القائمة وفي التأكيد بأن لا حلّ للبنان سوى الرجوع الى لبنات العيش المشترك.