تونس (الشروق) من مبعوثنا الخاص: أمين بن مسعود: 4 سنوات... إلا قليلا... فصلت بين زيارتنا للعاصمة اللبنانية بيروت وإقامتنا على مشارف الضاحية الجنوبية وبين الحرب المجنونة التي شنتها إسرائيل ضد لبنان ومقاومته الباسلة... 4 سنوات كانت كافية لكي تنتفض الضاحية من تحت ركام غبار الحرب وأن تستعيد روحها وعبقها ونفسها من جديد... يخيّل إليك وأنت تتجول في أزقة الضاحية وشوارعها أن المنطقة لم تعرف طعم الحرب أبدا... فنبض الحياة في محلاتها وأسواقها ومؤسساتها خافق... وميسم عشق الحياة رغم قسوتها يوشح كل وجه ومنظر... قدرة عجيبة على الصمود والتجاوز... تلحظها لدى البشر والحجر في «الضاحية»... فالعمارة التي سويت بالأرض في حرب تموز سرعان ما أعيد «إحياؤها» وأصبحت «أجمل مما كانت»... والشخص الذي فقد عزيزا وجد في عزة النصر والمقاومة خير معين على الصبر والمصابرة والسلوان... في الضاحية... المكان, كما الإنسان, أبيّ على الظلم والطغيان, منتصب القامة ومرفوع الهامة, عصي على آلة الحرب والخراب الصهيونية... حتى وإن ضحى بالغالي والنفيس... هكذا, يُشيّد البناء من لبنات... وترقى إنسانية الإنسان درجات... تحوّلت «حرب تموز» إلى دروس سوسيولوجية للعدو الصهيوني تعلمه من بين ما تعلمه معدن اللبناني الحق عند الشدائد والمحن... من كان يتصوّر أن ما دمّر في 2006 سيعمّر في 2007 وأن الأرض التي ألقيت فوقها قنابل الفسفور حتى تكون عاقرا وبورا ستخرق الطبيعة «الإجرامية» وستفتح بطنها للولادة من جديد... من كان يتصوّر أن الأيادي المتعبة من حرب لا تبقي ولا تذر ستنتفض في ذات يوم وقف إطلاق النار رافعة الركام ومزيحة الأتربة ومقيمة القناطر والحواجز والجسور... «بكيت طويلا عند الأيام الأولى من الحرب عندما أغار الصهاينة على مقاهي الضاحية التي كنا نتسامر بها في شهر رمضان..» يتذكر زياد عيتاني , صحفي لبناني , أيام العدوان الإسرائيلي الأولى على لبنان قائلا إن الصهاينة سعوا في ما سعوا إليه إلى تشويه الذاكرة اللبنانية وإلى عزل الدال عن مدلوله وبالتالي استنساخ المأساة الفلسطينية حيث أن الأسماء لا تشير إلى الأماكن الموجودة. إذن لم يمر الصهاينة من هنا... كما مروا من أماكن أخرى... فأسماء الأحياء ذاتها والمنعرجات عينها والأزقة والمساجد والحسينيات والكنائس نفسها... ورائحة الذرى المقلية لا تزال تنبعث من ذات المحلات التجارية... وشارع الشهيد هادي حسن نصر الله لا يزال حاضنا للضاحية الجنوبية... لم تدنس الأقدام الصهيونية أرض الضاحية والعاصمة بيروت... فأعلام المقاومة اللبنانية ترفرف من على كل عمود وسطح... وصور الشهداء ترافقك من مكان الولوج إلى الخروج... وشعارات الإباء والنضال والصمود ترصع الجدران... وأغاني المقاومة اللبنانية والفلسطينية تشنّف الآذان .. بقيت الضاحية... كما عهدها الأحبة... شامخة على الأعداء والعملاء... تسحر زائرها برباطة جأشها وصمودها... وتحيّر داخلها بقدرتها على الجمع بين إرث الشهداء ومستجدات الحياة ,,, بين حق الأرض وواجب السماء... جزء من السماء بشهدائها... قطعة من الرباط بمقاوميها... مشهد من التحرير بأهاليها... روضة من رياض الجنان بسواحلها... لون من ألوان بيروت الزهية ..هي الضاحية الجنوبية... وقد يكون لهذا فحسب أغارت عليها إسرائيل طوال 33 يوما وقد يكون لهذا أيضا تفكر تل أبيب في الحرب مرة أخرى...