أجمع المشاركون في يوم دراسي انتظم أمس بالعاصمة حول أهمية التكوين المهني في قطاع البناء والأشغال العمومية أن هذا القطاع سيكون له شأن كبير في قادم السنوات داخليا وخارجيّا بعد أن تحوّلت أغلب الدول ومنها تونس إلى «حضائر مفتوحة»، تنتشر فيها مشاريع البناء الضخمة وهو ما يتطلب مزيد استقطاب الشبان له وتكوينهم بشكل جيّد يتماشى ومتطلبات البنايات العصرية.. وقال السيد عبد اللّه بن عبد اللّه مدير عام الوكالة التونسية للتكوين المهني في تصريح ل«الشروق» أن سلطة الاشراف ومن ورائها الوكالة تضع البناء والأشغال العمومية على رأس قائمة القطاعات ذات الأولوية في برامجها التكوينية وتسعى بالتعاون مع الأطراف المتدخلة (مقاولات البناء وزارة التجهيز)، إلى الإعداد الجيّد لهذا التكوين عبر دراسة الحاجيات الحينية والمستقبلية للقطاع. وأضاف أن هذا الاختصاص يشكو للأسف من قلة إقبال الشبان عليه في مراكز التكوين عكس اختصاصات أخرى (اللحام الكهرباء) التي يفوق الاقبال عليها طاقة المراكز، وتسعى الجهات المعنية إلى مزيد استقطاب الشبان نحو هذا القطاع. وفي السياق ذاته اعتبر السيد الصحبي الميساوي مدير عام البنايات المدنية بوزارة التجهيز والاسكان والتهيئة الترابية إجابة على سؤال «الشروق» حول أسباب هذا «العزوف» من الشبان عن اختصاص البناء سواء في مراكز التكوين أو في سوق الشغل أن الأمر يعود إلى فكرة قديمة تقول إن مهنة البنّاء شاقة صيفا وشتاء وفيها بعض المخاطر الصحيّة ولا توفر الاستمرارية في العمل.. لكن الواقع الحالي لهذا الاختصاص يعطينا فكرة مغايرة تماما وهي أن مهنة «بنّاء» لم تعد شاقة بسبب تطوّر التجهيزات والتكنولوجيات الحديثة المعتمدة في البناء ولم تعد هناك حاجة كبيرة للمجهودات البشرية المضنية.. كما أن هذه المهنة على حدّ قول مدير وكالة التكوين المهني أصبحت توفر الاستمرارية في العمل على مدار العام. فهي «لا تموت» وستبقى قائمة ما دامت هناك حياة على الأرض وتوفر آلاف مواطن الشغل وإلى الأبد. مُربح اعتبر السيد لسعد الشعبوني كاتب عام الجامعة الوطنية لمقاولي البنّاء والأشغال العمومية أنه إضافة إلى الوضع المريح الذي أصبحت تمتاز به مهنة البنّاء (إعتماد أكثر على التجهيزات والآليات + استمرارية العمل..) فإن هذه المهنة أصبحت أيضا مربحة ماديا وأنه آن الأوان للتخلي عن تلك النظرة القديمة ل«المرمّاجي» أو «البنّاي» على أن دخله ضعيف مقارنة بمهن أخرى.. فاليوم، يتقاضى البنّاء أو مساعده أجورا محترمة تفوق أجور اختصاصات أخرى سواء عند العمل لدى مقاولات البناء أو لحسابه الخاص، ويبرز ذلك خاصة لدى الأكفاء منهم والمختصين وهو ما يؤكد أهمية التكوين المهني في هذا المجال.. ضرورة ما يؤكد الحاجة الشديدة للتكوين المتخصص في مجال البناء والأشغال العمومية، هو هذا النقص في اليد العاملة المختصة الذي مازالت تعاني منه بعض مقاولات البناء في بلادنا، وخاصة تلك التي تتماشى مؤهلاتها مع التقنيات والتكنولوجيات الحديثة المعتمدة في البناء. ويعترف السيد لسعد الشعبوني بهذا الواقع مؤكدا أن متطلبات العمل لدى مقاولات البناء تتغير كل سنة خاصة في ظل المنافسة القوية داخليا وخارجيّا وفي ظل تشغيل المقاولات لعدد كبير من غير المختصين ولا يمكنها الاستغناء عنهم لأسباب اجتماعية.. ولا بد لها بالتالي من الانخراط في منظومة تكوين أعوانها مع التوجه تدريجيا نحو انتداب المختصين والمتكونين الجدد، وهو ما بدأ عدد كبير منها يعي به ويطبّقه. مجهودات عبّرت الجهات الرسمية والهياكل الادارية المعنية بقطاع البناء والأشغال العمومية منذ مدّة عن استعدادها للرفع من مستوى التكوين فيه، وهو ما تأكد في مارس الماضي بالتوقيع على اتفاق شراكة إطاري لتنمية كفاءات الموارد البشرية وذلك بين وزارتي التجهيز والتكوين المهني والجامعة الوطنية لمقاولي البناء والأشغال العمومية وهو ما أكده السيد صلاح الدين مالوش وزير التجهيز والاسكان والتهيئة الترابية في كلمته الافتتاحية لهذا اليوم الدراسي. واعتبر أن قطاع البناء والأشغال العمومية له من الأهمية ما يفرض هذا التوجه، خاصة أنه يوفر 300 ألف موطن شغل ويساهم بنسبة 7٪ من الناتج المحلي الخام ويبلغ رقم معاملاته السنوي 3.5 مليار دينار.