حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي يقول السيد أحمد التليسي في شهادة توضيحية بخصوص موضوع سلسلة محاولات لاغتيال أحمد بن صالح، وتحديدا تجاه مطلع مقال أمس، إنّه أنقذ السيد أحمد بن صالح من عملية اغتيال محققة.. وكان ذلك بين سنتي 1955 و1956 تقريبا، أي عندما كان سي أحمد بن صالح كاتبا عاما للاتحاد العام التونسي للشغل.. يقول السيد أحمد التليسي ل«الشروق»: «كنت كاتبا عاما لنقابة الملاّحات بمقرين Les Salines de Megrine (ضاحية جنوبية لتونس العاصمة).. وصادف أن سألني الشيخ ح.ع عن كل من أحمد التليلي وأحمد بن صالح وعبد اللّه فرحات.. أسئلة أثارت فيّ نوعا من الريبة والشك.. فهؤلاء مسؤولون كبار إن في الحزب أو في الاتحاد.. وبعد هذه الحادثة، وفي يوم من الأيام اللاحقة، وجدت الشيخ ح.ع مع ثلاثة أو أربعة آخرين، وسمعتهم يتحدّثون عن أحمد بن صالح بالذات، ورأيت الشيخ المذكور يدخل البهو الذي يوجد فيه «الحمام» Toilette، ورأيته يسحب سلاحا من تحت جبته، وأعطاه لشخص من بين الجماعة، فهرعت جريا، من «الكوليزي» باتجاه نهج مختار عطية الآن، الى ساحة محمد علي، ثم منها إلى مكتب السيد أحمد بن صالح بمقرّ الاتحاد (كان سي أحمد بن صالح أمينا عاما للاتحاد العام التونسي للشغل)، وجدت «المولدي» الشاوش المكلف خارج المكتب فسألته عن «سي أحمد بن صالح»، فحاول تسويفي، وأنه لا يستطيع مقابلتي لأنه سيخرج للتوّ في مهمّة، فدفعت باب مكتب الأمين العام، وقلت له: لا تخرج «فالجماعة» آتون لقتلك.. حذار.. لا تخرج من هنا.. ورفعت الستارة عن النافذة، بما يسمح لي رؤية ما يحدث في الشارع، فرأيت من كلّفه الشيخ ع. بقتل بن صالح.. وما كان من السيد أحمد بن صالح، إلا أن اتصل على الفور بالسيد الباهي الأدغم.. وأبطلت المحاولة.. ويواصل سي أحمد التليسي كلامه، ليكشف انعكاسات هذا الموقف، بأن «جاءني تهديد منهم.. لأنهم عرفوا أنني من أذاع السرّ.. وكانوا يطاردونني وحاولوا قتلي في ثلاث مناسبات.. إنني أمام اللّه، أقول لك هنا عبر «الشروق» حقيقة ما وقع».. من جهة أخرى، يواصل «سي أحمد» بن صالح كشف ما أمكن له تذكّره من محاولات الاغتيال، وهنا نرجع الى فترة الخمسينات، حين «تعرضت الى حادث مرور وكنت كاتبا عاما للاتحاد العام التونسي للشغل، وكان معي محمد الرّي وأحمد التليلي ومحمد بن عزالدين، حين دهستنا شاحنة، وبدا الحادث بنسبة كبيرة أنه مقصود، أي بفعل فاعل، ووفق نيّة مبيّتة.. كانت الأضرار البدنية التي لحقتنا كبيرة، وخضعت بعد هذا الحادث الى فترة علاج وبقيت بالمنزل لا أبرحه بحسب تعليمات طبية قرابة 15 يوما.. وقد أشيع الخبر، وكانت برقيات الابتهاج بسلامتنا ونجاتنا من الحادث، تأتي من كل حدب وصوب.. وعلى رأسهم بورقيبة.. وفي ارتباط بهذا الحادث، كنت كما ذكرت ملزما بقرار طبي بملازمة البيت والفراش لمدة 15 يوما.. فجاءني فلان الفلاني (رفض ذكر إسمه)، وهو أستاذ ولم يتعود على زيارتي في المنزل.. بل لم يأتني الى منزلي قبل ذلك اليوم.. ولم تكن تجمعنا علاقة شخصية، زارني يومها، وقلت في نفسي إن سبب الزيارة قد يكون بفعل التأثر لحادث المرور الذي تعرضت له أنا والجماعة المذكورة آنفا.. وكانت لهذا الشخص علاقات مع أقرب الناس في القصر، والحقيقة، لم يدر بخلدي أبدا أن في الأمر سرا.. أو مؤامرة أو محاولة لاستهدافي.. قال لي بعد التحية والاطمئنان على صحتي بأن أرافقه في السيارة للقيام بجولة.. وألحّ في الأمر، وكان هو الذي يقود السيارة.. وقد أثر عليّ، بقوله إن البقاء في المنزل مقلق، وأن «تعالى معي في السيارة نقوم بجولة، دون أن تنزل منها وأعيدك ثانية إلى بيتك»، تجاوبت معه، وفعلا خرجنا من المنزل، وامتطينا سيارته وكان يقودها بنفسه، وفي الطريق كانت هناك شاحنة كبيرة، ذات بابين يغلقان من الخلف، مثل التي ينقل فيها الحليب ومشتقاته.. وما استغربت له، أنه كان يسير وراء الشاحنة، وعندما وصل هذا الشخص، الذي جاء ليعودني على مقربة أو تماس مع الشاحنة، قام بحركة بالمقود بطريقة ينجو هو وأنا كان مصيري الارتطام في الشاحنة.. فقدت الوعي منذ ذاك الوقت، ونقلت الى المستشفى.. وعندما بدأت أستعيد وعيي، وجدت الدكتور مصطفى عطااللّه طبيب مختص في الأنف والأذن والحنجرة.. فتحت عيني، وإذا به يطلب مني رقم منزلي (رقم الهاتف)، حتى يعلم العائلة.. قال لي: «يا سي أحمد هل تستطيع أن تملي عليّ رقم هاتف منزلك» وهنا، حصلت نكتة: كنت أنطق الأرقام، أرقام هاتف منزلي، وكان بالصدفة د. سليّم عمار يدخل عليّ ليطمئن هو الآخر، وعندما سمعني أنطق الأرقام قال: «لقد انتهى (بن صالح).. فقد بدأ ينطق أرقاما».. «c'est foutu... il a prononcé des chiffres»، وكان جمع من الأصدقاء والمسؤولين ومن بينهم د. سليم عمار، الذي عرفته أيام الدراسة في باريس، يراوحون مكانهم في المستشفى وينتظرون الى ماذا ستؤول إليه صحتي ووضعيتي».. وهنا أضاف «سي أحمد»: أنّ بورقيبة علق على هذا الحادث بالقول: «إنه حادث غريب..». «Un accident un peu bizarre». فإلى حلقة قادمة إن شاء اللّه..